في الوقت الذي تعد فيه الشهادة في مجال الإثبات الجنائي واجباً على كل فرد في المجتمع وصل إلى علمه معلومات أو بيانات عن جريمة معينة وأدركها بإحدى حواسه ، غير أن ذلك الواجب قد يعتريه صعوبات وعراقيل تمنع الشاهد وتنأى به عن الإدلاء بشهادته تتمثل في خوفه مما قد يهدد حياته أو ماله أو عرضه هو أو ممن هم من المقربين إليه .
فالشهادة قد تكون الدليل الوحيد في الدعوى الجنائية ولهذا يكتسب الشاهد مكانة خاصة في نطاق الإثبات الجنائي لما ينقله للمحكمة أو جهات التحقيق ما أدركه بإحدى حواسه . ولذلك فقد سعت عدد من الدول إلى إضفاء الحماية الجنائية للشاهد في الدعوى الجنائية من خلال تقريرها لبعض الإجراءات التي من شأنها في النهاية خدمة العدالة الجنائية من جهة وكفالة العيش بسلام لمن يؤدي تلك الشهادة بإبعاده عن كل المؤثرات التي تهدده أو تضغط عليه من جهة أخرى . هذه الحماية أصبحت تمثل أحد الأهداف الرئيسية للسياسة الجنائية المعاصرة لما فيها من فائدة مرجوة لمرفق العدالة والذي سيتمكن بذلك من ملاحقة الجناة بأكثر فاعلية ، فضلاً عن منح المتعاونين مع العدالة وبخاصة الشهود المهددين الحد الأدنى من الحماية التي يستحقونها لتعاونهم مع العدالة .
ونتيجة لذك نظمت العديد من التشريعات المقارنة تلك الحماية بنصوص خاصة ومنها المشرع البحريني الذي نص على تدابير معينة لحماية الشهود لإعتبارات تتعلق بسلامتهم والأشخاص وثيقي الصلة بهم ، تدور حول إخفاء شخصية الشهود ، إن بإخفاء المعلومات المتعلقة بهويتهم ، أو بإخفاء تلك المعلومات المتعلقة بمحل إقامتهم . إذ يحظر قانون الإجراءات الجنائية البحريني إفشاء أي معلومات تتعلق بالهوية و أماكن وجود الأشخاص ممن هم من الشهود والذين يتعين حمايتهم ، أو وضع قيود على تداول تلك المعلومات . كما وأجاز القانون لجهات التحقيق والمحكمة اللجوء إلـى سمـاع الشهود عن بُعـد بإستخـدام بعض الوسائـل التقنيـة أو المادية ، يكون الهدف منها أيضاً إخفاء شخصية الشاهد لما قد يتعرض له من إيذاء أو مضار نفسية أوإجتماعية إلى غيرها من الأسباب التي توجب إضفاء الحماية عليهم .
كذلك فإن الشاهد قد يتعرض أثناء جلسة المحاكمة إلى إعتداء أو ضغط أو إكراه من قبل المتهم أو غيره . وهنا يبرز دور المحكمة في إحاطة هذا الشاهد بحماية إجرائية وموضوعية مما قد يتعرض له . ولم يغب ذلك عن ذهن المشرع الذي أعطى للمحكمة في أحيان كثيرة سلطة واسعة في تقدير ضرورة تدخلها أثناء الجلسة وبسط نفوذها لغرض ضبط تلك الجلسة وعدم المساس بها أو بمن كان حاضراً فيها ومنهم الشهود . ولهذا نجد أن المشرع البحريني في قانون الإجراءات الجنائية قد فوض المحكمة في مواد كثيرة صلاحية إتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية الشهود وحفظ النظام في الجلسة .