إن تجسيد الشعراء للجمال واقامته تمثالا مصورا مرئيا ، كان الهدف منه اولا اشاعة جو نفسي مريح في مقدمات قصائد المديح ، فهو الجزء البصري الممتع لمدركات حسية اخرى ترافقه، وأما المرامي الاخرى
ﻓﮭﻲ إﻣﺘﺎع اﻟﻨﻔﺲ إﻣﺎ ﺑﺎﺳﺘﺮﺟﺎع أﺟﻤﻞ ﺻﻮرة أو أﻧﻤﻮذج ﻗﺎﺋﻢ ﻓﻲ اﻟﺬاﻛﺮة، وﺟﻌﻠﮫ ﯾﺤﯿﺎ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﺪواﻋﻲ اﻟﺤﻨﯿﻦ للاماكن والازمنة الاثيرة . أو الميل للتعبير عن الوعي الجمالي الذي يتصل بموضوع الجمال نفسه ، وهو المؤثر الاول في الادراك كما انه نتاج خبرات متواصلة توالت عبر عصور ادبية متلاحقة في التراث العربي بالأندلس ، فلكم وقف الشعراء منبهرين امام الجمال وارتقوا به حين جعلوه (كعبة) ، ومأما يطوفون حوله ولهين ، وبالغوا في رسمه حين جعلوه (روضة) تتجلى فيها كل أصناف الرياحين والزهور لتسرح الأنظار في نزهتها بارجائه ، وتسعد النفس في أرتياحها بأجوائه ، وخلقوا له صورة لا نظير لها، فالمحبوبة مثلا هي ﺻﻮرة اﻟﺠﻤﺎل اﻟﺘﻲ أﻟﺒﺴﮭﺎ ﷲ ﻟﮭﺎ، وﺑﻼدھﻢ ھﻲ اﻟﺠﻨﺔ :ﻣﺎؤھﺎ اﻟﻜﻮﺛﺮ وﺣﺴﺎﻧﮭﺎ اﻟﺤﻮر .
وﻗﺪ ﺗﺤﻘﻖ ﻧﻘﻞ ھﺬه اﻟﺨﺒﺮة اﻟﺠﻤﺎﻟﯿﺔ واﻟﻘﺪرات اﻟﺬاﺗﯿﺔ واﻟﻤﻠﻜﺎت اﻟﺨﺎﺻﺔ ﻟﻠﻤﺒﺪع، ﺑﻮﺳﺎﺋﻞ ﻋﺪة ﻛﺎن ﻣﻨﮭﺎ المبالغة في التمثيل ، والايقاع المناسب في النبر بالتوازي وحسن التقسيم والتوشيح مع التفنن بالاساليب من تعجب واستفهام وقسم واستحياء للموروث الديني وكان للجانب النفسي اثره الببين في تفعيل المخيلة وصقل القوى الادراكية ايضا.
وﻟﻤﺎ ﻛﺎن اﻟﺸﻌﻮر ﺑﺎﻟﺠﻤﺎل ﯾﻘﻮم ﻋﻠﻰ أﺳﺎس اﻻﻧﻔﻌﺎل ﻓﻘﺪ أﺑﺪع اﻟﺸﺎﻋﺮ اﻷﻧﺪﻟﺴﻲ ﻓﻲ ﺗﻨﺎول ﻗﯿﻢ ھﺬا اﻟﺠﻤﺎل، وﺗﻮظﯿﻔﮫ ﻟﻤﻌﻄﯿﺎﺗﮭﺎ، وﺗﻨﻘﻠﮫ ﺑﺄﺳﺎﻟﯿﺐ ﻋﺮﺿﮭﺎ ﻹﺛﺎرة اﻷﺣﺎﺳﯿﺲ ﺑﻌﻘﺪ ﻣﻘﺎﺑﻠﺔ أو إﺣﯿﺎء زﻣﻦ واﻟﺘﻠﺬذ ّ .ﻣﻦ ھﻨﺎ وﺟﺪ اﻟﺒﺤﺚ ﻟﻮﺣﺎت رﺳﻤﺖ ﺑﺮﯾﺸﺔ ﻣﺒﺪﻋﺔ ًﺑﺎﺳﺘﺮﺟﺎع ﻣﺸﺎھﺪ اﻟﻄﺒﯿﻌﺔ ﻣﺘﺪاﺧﻠﺔ ﻣﻊ اﻟﺤﺪث أو اﻟﺸﺨﻮص ٍ ٍ ﺣﯿﺚ اﻷﻟﻮان واﻟﻈﻼل، ﻣﻨﺤﮭﺎ اﻟﺸﺎﻋﺮ إﯾﻘﺎع اﻟﺤﯿﺎة :ھﺎدﺋﺔ وﺻﺎﺧﺒﺔ، وﺟﻌﻠﮭﺎ ﺗﻨﺒﺾ ﻣﻦ ﺟﺪﯾﺪ ﻟﯿﻌﯿﺶ ﻓﻲ ذﻛﺮﯾﺎت اﻟﻤﺎﺿﻲ، وﻛﺎن ﻓﺎﻋﻼ ﺣﯿﻦ وظﻒ ﻓﻨﻮﻧﺎ ﺗﺴﺘﺜﯿﺮ اﻟﻤﺨﺎطﺐ، وﺗﺠﻌﻠﮫ ﻣﺸﺎرﻛﺎ ﻣﺘﻮاﺻﻼ، ﻓﻜﺎن ﻟﻠﺘﺪاﻋﻲ، ً ً ً ً ّ د اﻻﺳﺘﺬﻛﺎري اﻟﺠﺎﻧﺐ اﻷوﻓﺮ ﻓﻲ طﺎﻗﺘﮫ اﻹﺑﺪاﻋﯿﺔ .أﻣﺎ اﻟﺠﺎﻧﺐ ّواﻟﻜﺜﺎﻓﺔ اﻟﺘﺼﻮﯾﺮﯾﺔ، وأﺳﺎﻟﯿﺐ اﻟﺘﻤﻨﻲ، واﻟﺴﺮ اﻟﺘﻄﺒﯿﻘﻲ ﻓﻘﺪ ﺟﺎء ﻓﻲ ﺣﻘﺒﺘﯿﻦ )ﻋﺼﺮ اﻟﻄﻮاﺋﻒ واﻟﻤﺮاﺑﻄﯿﻦ، وﻋﺼﺮ اﻟﻤﻮﺣﺪﯾﻦ.(.