(أهمية البحث والحاجة اليه) :-
ليس غريبا" ان ظاهرة العدوان واستعمال العنف في المجتمعات البشرية قديمة قدم الانسان ذاته ، قدم الخير والشر ، ولكن الغريب ان يتحول العنف في المجتمعات البشرية الى واقعة مستديمة تتحكم بأفاق المستقبل وتؤثر في خياراته – الامر الذي يتطلب البحث عن جذور تلك الظاهرة وتقصي عوامل تكوينها في المجتمعات المتأزمة سياسيا" والمخترقة حضاريا" ، ولا يتحدد هذا البحث في اطار الاوضاع القائمة والظروف الراهنة التي توحي بأنها المسؤولة عن اندلاع تلك النزاعات وانقلاب زمامها وتفاقم ميولها ، بل يتطلب التنقيب عن بواعثها الاجتماعية والولوج لأعماقها القصية والكشف عن ملابساتها السياسية .
أن تاريخ الجريمة مرتبط بالوجود البشري وتعتبر قصة قابيل الذي قتل اخاه هابيل أولى الجرائم في تاريخ البشرية ( شكور ، 1997 ، ص21 ) ، فأرتبط العنف بالانسان هو ارتباط العلة بالمعلول ، وهو القاسم المشترك لمعظم شعوب العالم بمختلف اصولها وتباين أعراقها وتنوع ثقافاتها وتعدد اديانها ،الا ان وقعه وشدة وطأته يتفاوت من بلد الى اخر ضمن البلد الواحد وفي المجتمع الواحد نفسه ، مابين الشغب البسيط الى الارهاب ( العزاوي ، 2007 ، ص11 ) .
الارهاب ظاهرة تعاني منها شعوب الارض والامم كافة ، وهو بلا هوية أو عقيدة أو انتماء ، لاعقل فيه ولا قلب ولاروح ، والارهاب ليس بكائن حي يمكن القضاء عليه في لحظة واحدة ، بل بدراسة جذوره وأسبابه وتحليل الصراعات التي ادت اليه (حسن ، 2007 ، ص1 ) .
من المسلم به انه لاتوجد عقيدة دينية او دعوة نبيلة تحض مبادئها على التعصب والانحراف الفكري ونفي الآخر المختلف دينيا" أو عقائديا" أو سياسيا" ورفض الاعتراف به ( هلال ، 2008 ، ص5 ) ، وأن هذا التطرف الايدولوجي مثله في ذلك مثل العولمة ، ظاهرة تملأ الدنيا وتشغل الناس ومشكلته انه لا يتعلق فقط بأتجاهات فكرية منحرفة أو رؤى للعالم متخلفة وبدائية فقط ، ولكنه يتحول في مجال الممارسة على مستوى الفرد والجماعات وبعض الدول الى ارهاب صريح ، وهذا الارهاب لايوجه ضرباته فقط للخصوم الفكريين والسياسيين ، ولكنه يصوب سهامه المسمومة نحو المدنيين بصورة عشوائية ( السيد ، 2007 ، ص20) .
السلوكيات العدوانية المختلفة تعد من الانحرافات السلوكية ، والتي تتخذ من مخالفة القيم السلوكية مظهرا" لها ، لذا فأن البحث والتقصي عن هذه الظواهر ، وبيان مكوناتها والعوامل التي تتدخل في تكوينها ، يتطلب الاحاطة بجميع جوانبها ، لا تعد من العوامل التي تؤدي الى عدم التكيف الاجتماعي وتجعل منهم افرادا" غير قادرين في التغلب على المصاعب والمشكلات التي تواجههم ، ويتمثل سلوكهم بالتمرد ضد مطالب المجتمع ( راضي ، 2001 ، ص7 ) ، وان القوة الاكثر تدميرا" في علاقاتنا الاجتماعية هو العدوان ( Myers , 2004 , p.719 ) .
إن التمرد والتعصب والتطرف يتمثل ببساطة بأنشطة تكون عبارة عن معتقدات أو اتجاهات أو مشاعر أو افعال أو استراتيجيات يتبناها شخص أو جماعة بطريقة تبعده عن الاوضاع السائدة بين الناس ، وهي في مواقف الصراع تعلن عن نفسها بأعتبارها شكلا" عنيفا" من أشكال الانغماس في الصراع ، وعادة ماتتمثل الافعال المتطرفة في وسائل عنيفة ، رغم ان الجماعات المتطرفة قد تختلف في تفضيلها لتكتيكات عنيفة أو غير عنيفة ، وكذلك بالنسبة للأهداف التي ستتوجه لمهاجمتها ، وفي الوقت نفسه فأن الجماعات التي لاتمتلك فائضا" من القوة من الارجح أن تلجأ لأشكال مباشرة للعنف مثل ( التفجير الانتحاري )) (Coon , 2000 , p.648 ) .
إن معرفة حالة خصائص تدمير النفس والاخرين ، يساعد على كشف الخلفية النفسية والاجتماعية التي تستند عليها تلك السلوكيات اولا" ، ومن ثم العمل على احتوائها ومنع تأثيراتها السلبية والخطيرة ثانيا" ، ومعالجتها ثالثا" ( راضي ، 2001 ، ص6-7 ) .
وتتجلى اهمية البحث في تسليط الضوء على الإرهاب ، هذا المصطلح الحديث ، وان كان العدوان والاجرام والجنوح والعنف قد عرفت منذ أقدم العصور ، ولحداثة تفشي ظاهرة الارهاب ، فأن الدراسات النفسية والاجتماعية والطبية والقانونية التي أجريت عليها مازالت محدودة جدا" ، ومن المأمول ان يتصدى البااحث لدراسة هذه الظاهرة للتعرف على خصائصها وأبعادها وأسبابها وأثارها وأشكالها وسمات شخصيات مقترفيها ، مما يساهم في معرفة وكشف خبايا الارهاب بصورة أوسع وادق ، للعمل على مواجهته ضمن خطة مدروسة علميا" .
( أهداف البحث ) : -
- وضع وتحديد مفهوم دقيق للأرهاب .
- تأشير أسباب وعوامل الارهاب .
- التعرف على اهداف ومكونات وصفات وأشكال الارهاب .
- التطرق الى أساليب الوقاية وعلاج الارهاب .
( حدود البحث ) : -
يتحدد البحث الحالي بمفهوم الارهاب .
( تحديد المصطلحات ) : - (( الأرهاب ))
- ( الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب -1998 )
(( الارهاب هو كل فعل من افعال العنف أو التهديد به ، أي كانت بواعثه أو أغراضه ، ويقع تنفيذا" لمشروع اجرامي فردي أو جماعي ، ويهدف الى ألقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بأيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر ، أو الحاق الضرر بالبيئة أو بالاملاك العامة أو الخاصة أو احتلال أو الاستيلاء عليها أو تعرض الموارد الوطنية للخطر )) .
- ( الجمعية العامة للأمم المتحدة – 1999 )
(( الأرهاب هو عمل اجرامي يهدف لأثارة الرعب في نفوس العامة أو مجموعة من الاشخاص لأغراض سياسية غير مبررة تحت أي ظروف ومهما كانت طبيعة الاعتبارات السياسية أو الفلسفية أو الأيديولوجية أو الراديكالية أو العرقية أو الدينية أو أي اعتبارات أخرى تستغل لتبريرها )) .
- ( الأتحاد الاوربي – 2001 )
(( الأرهاب هو العمل الذي يؤدي لترويع المواطنين بشكل خطير ، أو يسعى لزعزعة استقرار أو تقويض المؤسسات السياسية أو الدستورية أو القضائية أو الاقتصادية أو الاجتماعية لأحدى الدول والمنظمات ، مثل الهجمات ضد حياة الافراد أو الهجمات ضد السلامة الجسدية للأفراد أو اختطاف وأحتجاز الرهائن او احداث أضرار كبيرة بالمؤسسات الحكومية أو اختطاف الطائرات والسفن ووسائل النقل الاخرى ، أو تصنيع أو حيازة الاسلحة والمواد الكيمياوية والبيولوجية ، أو ادارة جماعة أرهابية أو المشاركة في أنشطة جماعة أرهابية )) . ( عاشور ، 2007 ، ص5 ) .
- ( تعريف الفتلاوي – 2002 )
(( الأرهاب هو العنف المسلح بين الدولة والافراد ، لتحقيق أهداف سياسية )) ( الفتلاوي ، 2002 ، ص28 ) .
- ( تعريف هوروتز Horowitz – 2005 )
(( الأرهاب هو كل ما يروع المدنيين في المجتمع )) . ( Horowitz , 2005 , p.94 )
- ( تعريف حسن – 2005 )
(( الأرهاب هو كل نشاط يقوم به الفرد أو مجموعة أو فئة أو تكتل أو منظمة ، أيا" كان انتمائها وولائها وفكرها وعقيدتها ، لإلحاق الضرر والأذى المادي والمعنوي والنفسي على الاخرين والمجتمع ، لأشباع حاجات غريزية عدوانية ، أو تحقيق أهداف عقائدية أو سياسية متطرفة أو بدوافع تحكمها عمليات تحوير فكري وغسيل دماغ مبرمجة دون أدنى أعتبار لما يقع على الابرياء من الناس ومن الفئات العمرية المختلفة )). ( حسن ، 2005 ، ص8-9).
- ( تعريف راضي – 2007 )
(( الأرهاب هو سلوك عدائي اجرامي متعمد منظم ، سعيا" وراء أهداف سياسية أو أيديولوجية أو دينية أو قومية أو مادية )) . ( راضي ، 2007 ، ص3 ) .
ولأغراض الدراسة الحالية ، يتبنى الباحث ( تعريف راضي – 2007 ) للأرهاب ، ليستدل على فقرات وأركان الدراسة الحالية .