تعد تقنية العقلنة ([i]) تقنية تطويرية للنظام البرلماني تعمل على معالجة الانحرافات التي يمكن ان تحدث لهذا النظام سواء بفعل النظرية او نتيجة للممارسة السياسية، ولعل اول من تحدث بموضوع (البرلمانية المعقلنة) الفقيه الدستوري الروسي الاصل (بوريس ميركن) في فترة مابين الحربين العالميتين (الاولى والثانية) واراد بها تقوية مركز الحكومة لمواجهة البرلمان، وقد اخذ بها واضعوا القانون الاساسي الالماني 1949، فاشترطوا ان يكون حجب الثقة من الحكومة حجبا بناءً على الرغم من اسبقية المشرع الدستوري الالماني في عقلنة برلمانيته الا ان وضوح وبروز هذه التقنية كان على يد المشرع الدستوري الفرنسي في دستور ديغول 1958، وقد جعل المشرع الدستوري الفرنسي منها تقنية لتحجيم البرلمان تشريعيا ورقابيا في مقابل توسيع الاختصاص التشريعي للحكومة وتعزيز مركز رئيس الدولة وجعله حاكما وحكما بين السلطات، لصرامة العقلنة الديغولية فقد ظهرت في فرنسا اتجاهات تتبنى اطروحة الجمهورية السادسة المناهضة لجمهورية الجنرال الخامسة، وقد سعى المجلس الدستوري من جانبه الى التخفيف من شدة العقلنة البرلمانية، فقد ذهب في العديد من قراراته الى توسيع الاختصاص التشريعي للبرلمان، وذلك من خلال تفسير المادة (34) من الدستور تفسيرا واسعا.
[i] يعرف بعض الفقه العقلنة البرلمانية، بأنها تعني إعتماد مؤسسات دستورية وتوزيع الصلاحيات فيما بينها وتنظيم العلاقات القائمة بين هذه المؤسسات بما يؤدي الى أنتظام عمل المؤسسات الدستورية واستقرارها وفاعليتها، والحيلولة دون تعرضها لحالة شلل او جمود. انظر الى: د. عصام سليمان، الانظمة البرلمانية بين النظرية والتطبيق، منشورات الحلبي الحقوقية، ط1، 2010، ص 117.