تركت العولمة المتسارعة أثرا عميقا على مدى واسع من السياسات والتطبيقات الاقتصادية في كل من الدول النامية والمتقدمة على حد سواء, إذ نشأت الأنظمة الضريبية الحالية عندما نمّط كل بلد سياسته الضريبية بشكل تركز معه على متطلبات الاقتصاد المحلي, وعندما كانت تعقد المفاوضات بين الأمم المختلفة حول المعاملات الضريبية والاتفاقات الضريبية كانت تجري في إطار من هيمنة السياسة الضريبية المحلية.
لكن العولمة قد غيرت من هذا خاصة فيما يتعلق بمستوى الضرائب أو مزيج الضرائب
(الهيكل الضريبي) أو تصميم بعض أنواع الضرائب، وكذلك من حالة الإدارة الضريبية
وامتثال المكلف. وبدأت الأقطار تكشف قلقا متزايدا و حساسية متنامية للتغيرات الضريبية, التي بدأت تظهر من قبل الشركاء التجاريين أو المنافسين, وبدأ يضيق معها هامش الاستقلالية الذاتية التي تركز على السياسات الضريبية المحلية.
مما حدى ببعض الاقتصاديين (مثل vito tanzi عام 2000) لاستخدام مصطلح النمل الأبيض المالي fiscal termites" لوصف مدى تأثير التغيرات التكنولوجية والعولمة على الأنظمة الضريبية الوطنية.
ومن المتوقع أن يكون تبني الأنظمة الضريبية للعولمة بطيئا فضلا عن كونه متقطعاً وغير مستقر, كذلك من الممكن إذا ما جابهت الإدارات الضريبية تحديات في ادارة الضرائب الحالية, فقد يظهر نوع جديد من الضرائب مع ظهور تقنيات وفعاليات جديدة.
لذا يهدف هذا البحث لتحليل أهم آثار العولمة ونتائج التكامل المتعاظم في الاقتصاد العالمي على الأنظمة الضريبية في الدول النامية عموما، ودول جنوب شرق آسيا خصوصا.
وأنطلق البحث من فرضية مفادها, وجود علاقة عكسية بين درجة اندماج الدول النامية في ركب العولمة والحصيلة الضريبية المحلية في هذه الدول.
وتوخيا للهدف السابق جاءت هيكلية البحث في ثلاثة مباحث, كل مبحث تضمن مطلبين, تناول المبحث الأول منها حركة عناصر الانتاج وتوزيع العبء الضريبي عليها, أما المبحث الثاني فتناول المنافسة الضريبية وحركة الاستثمار الأجنبي المباشر, وجاء المبحث الثالث لينصرف للاهتمام بثورة الاتصالات والابتكار الضريبي المطلوب, وصولا في الختام للاستنتاجات والمقترحات.