أن التطور الاقتصادي في أية دولة إنما يقاس بالدور الذي يلعبه القطاع الصناعي في اقتصادياتها، ومقدار ما يسهم به في الناتج المحلي الأجمالي. ولا يخفى أن ينسب ذلك إلى خصوصيات هذا القطاع بوصفه الميدان الذي تتحقق فيه انجازات الثورة العلمية والتكنولوجية أكثر من غيره من الميادين، وأرتباطاته الأمامية والخلفية مع سائر القطاعات. يضاف إلى ذلك أن القطاعات الأخرى تتأثر ايجاباً بنمو القطاع الصناعي، كما انه المسؤول عن تلبية الحاجات المحلية من المنتجات وتصدير الفائض منها إلى الخارج، فضلاً عن دوره المهم في رفع العمالة وخلق المداخيل، وبالتالي تحسين مستوى المعيشة. وهكذا فإن للقطاع الصناعي ونموه وتطوره دوراً بارزاً في تنشيط الحركة الاقتصادية في أي دولة من الدول، حيث أنه القاطرة التي تقود النمو الاقتصادي وتحرك آليات التنمية. ومن هنا اهتم العالم المتقدم بالصناعة وانطلق منها نحو آفاق التقدم والازدهار حتى بلغ ما هو عليه من قوة وهيمنة على الاقتصاد العالمي.
وإذا كانت الدول المتقدمة قد أولت القطاع الصناعي اهتماماً خاصاً، فإنه من الأجدر بالدول العربية أن تعطي اهتماماً اكبر لهذا القطاع باعتباره الأداة الفعالة التي يمكن من خلالها تحقيق تحولات مهمة في الاقتصاد الوطني وتسريع عملية التنمية، ولكن الحقيقة تشير إلى أن الصناعة العربية تواجه وضعاً حرجاً بسبب المصاعب والتحديات الكثيرة التي تعيق نمو هذه الصناعة، ومن هنا تبرز المشكلة في مدى قدرة الصناعة العربية على التفاعل مع المتغيرات المعاصرة في الاقتصاد العالمي وتجاوز التناقضات التي تعيق التعاون الصناعي العربي وتطوره. وتأتي هذه الدراسة محاولةً استقراء الآثار التي تتركها هذه التغيرات على تطور ومستقبل الصناعة العربية خاصةً التحويلية منها والتي سيتم التركيز عليها لاستبعاد الصناعة الاستخراجية (والتي يشكل فيها النفط سلعة التصدير الرئيسة في التجارة العربية) أصلاً من اتفاقات منظمة التجارة العالمية WTO . ويعد هذا من المواضيع المهمة التي تستحق البحث والتقصي في ظل أهمية القطاع الصناعي العربي وما يواجهه من تحديات كثيرة لها أثرها الكبير على مساره وتشكيل مستقبله، إذ ثمة مجموعة من هذه التحديات لها صبغتها الدولية، إلى جانب ما يواجهه من تحديات أخرى ذات صبغة محلية أو إقليمية.