اهمية البحث والحاجة اليه:
تعد الازمات التي تمر بها المجتمعات لفترات زمنية طويلة عاملاً مساعداً على تشكيل انسان تكون قيمه ومعتقداته وسلوكياته تختلف عما هو سائد في المجتمع ويعود سبب ذلك الى استمرار تعرض المجتمع لمزيد من الضغوط مما يجعل التنظيم الاجتماعي والنفسي يمر بحالة من الاضطراب (حسن، 1997، ص2) ، تظهر بصورة سلوك تملقي يمارسه الفرد للحصول على ما يريد وهذا ما بينه ابن خلدون في مقدمته ان من بين الاسباب التي تؤدي الى شيوع المجاملة الزائدة والملق هي الحكومة فالأفراد مضطرون الى سلوك التملق والنفاق كي يخضعوا بها قسوة الحكام وتعسفهم ويعتقد الوردي بأن أهل العراق قد اعتادوا سلوك التملق لأصحاب المراكز العليا الذين غالباً ما يكونون طغاة ومتعسفين بقوله " لقد اعتدنا ان نتزلف الى اصحاب المراكز والقوة، فكان هذا سبيل البقاء في الحياة، نتيجة لتوالي الطغاة علينا (الوردي، 1995، ص63). وقد ازداد التوجه نحو البحث في سلوك التملق خلال فترة العقد الاخير من القرن العشرين (Raven, 2003, p.1) اذ من خلاله يستطيع الفرد زيادة محصلته الاجتماعية والمادية كالحصول على الصداقة والتقدم المهني فهو يسعى أن يكون واعياً لنفسهِ وللعالم من حولهِ فيدخل في علاقات متعددة مبنية على قاعدة التفاعل المستمر ، فهو دائم السؤال ، من أنا ؟ ، ماذا أريد أن اكون ؟ ، ومن أنا بالنسبة للآخرين ؟ ( العبودي ، 1996 ، ص1 ). لذا فأن الفرد يسعى للوصول الى أهداف معينة ، تتوقف تلك الاهداف على نظرتهِ الى ذاتهِ وفكرتهِ عنها وتقبلهِ إياها ، وهي بذلك تعد النواة الرئيسية التي تقوم عليها شخصيتهِ ، وأنها الاساس في توافقه الشخصي الاجتماعي . إذ يرى (Husserl) إن الطريقة التي يدرك بها الشخص الاحداث المحيطة به ، أو التي تقع عليه هي التي تحدد الكيفية التي يتصرف أو يعمل بها ( التكريتي ، 1989 ، ص22) ، (Robinson, 2002, p.4) ويشير جونز (Jones, 1965) الى امكانية ملاحظة التملق بشكل واضح وجلي في تلك المواقف التي تنعدم فيها موازين القوى بين طرفين (A, B) اذ يمكن ان نفترض ان الشخص (A) صاحب قوة ومركز والشخص (B) الاقل قوة ومركز من (ِA)، هنا يلجأ (B) الى ممارسة التملق نحو (A) فيظهر الاستعداد بالخضوع والتبعة كي تسير الامور بشكل مرضي بينهما ومن ثم يستطيع التأثير على قرارات (A) كما بين كل من جونز وورتمان (Jones& Wortman, 1973). ان المتملق يتعرض الى الشعور بالاحراج لأن المستهدف (Target) سيرفضه ولا يتقبله ويعتبره سلوكاً اجتماعياً غير مقبول ، وخاصة عندما يوجه من الادنى الى الاعلى أي يكون هنالك اختلاف بين الشخص المتملق والهدف في المكانة او المركز ، فعندما يمتدح شخصاً ما بمكانة اجتماعية دنيا شخص اعلى منه مركزاً او مكانة فأن المتملق سيكون في موضع الشك مهما تكن نواياه ويمثل هذه الحالة سيدخل في مجال سلوك الاطراء الكاذب ، وسَيُعد المستهدف ذلك تجاوزاً على القواعد الاخلاقية المقبولة (Secored , 1976,p.101).
وفي هذا الصدد بينت دراستي (ديكوف Dickoff , 1961 ) و(جونز ديفيد Jones Davis , 1965) ان الفرد ذا المكانة العالية يشكك بنوايا المتملق ذي المكانة الواطئة عند تودده ومدحهِ وقد ظهرت معدلات التجاذب نحوه واطئة (Jones & Davis, 1965, p. 232) .
ان سلوك التملق الخاطيء الذي تتنامى مظاهره لدى طالباتنا يأتي انعكاساً لطبيعة المجتمع الذي تكرس فيه المظاهر السلبية ، لذا وجب الاهتمام بإعدادهن لانهن جيل المستقبل فهن الوعاء الذي يحفظ الأجنة وينميها والحضن الذي يكتنف الانسان الوليد ويرعاه ويربيه ويؤدبه ويعينه في اموره ويرشده ويرفده برأيهِ المجرب . ان الاهتمام بمسيرة الطالبات ودفعها نحو التقدم تحتاج الى سيطرة بأساليب من التوجيه والتقويم والاعداد السليم وبما يؤدي الى استيعابهن وتوظيف طاقاتهن في الاتجاهات النافعة لهن ولمجتمعهن وانطلاقاً مما تقدم فأن مشكلة البحث واهميته تتبلور في الآتي : محاولة تقديم تصور عن سير العملية التربوية من خلال دراسة التملق كما تمارسه الطالبات ويدركه تدريسيو الجامعة إذ يُعد سلوك التملق من المشاكل التي تعيق نجاح العملية التربوية .