تتركز مشكلة البحث في ضعف كثير من المربين معلمين كانوا أو مدرسين في التعامل مع أخطاء المتعلمين في ضوء السنة النبوية مما يؤدي إلى تعلم غير منتظم، ومن أهم أسباب هذه المشكلة قلة الإطلاع على الأساليب العملية التي ينبغي أن يتعامل بها المربي مع أخطاء المتعلمين، ولا سيما الأساليب المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وهذا ما لمسه الباحث واقعاً من خلال ممارسته لعملتي التعليم والتدريس لمدة خمس عشرة سنة، ومن خلال احتكاكه بالمعلمين والمدرسين فتبرز هذه المشكلة كونها من المشاكل الأساسية، وهذا ما أكده الرومي والزعبلاوي في طرائق تدريس التجويد إذ يشيرا إلى (ضعف مدرس القرآن الكريم في التعامل مع أخطاء المتعلمين والتصحيح لهم)(الرومي والزعبلاوي-1997–35)، وهذا ما أكدته دراسات ميدانية كثيرة منها دراسة (الطائي2003) التي تؤكد ضعف المعلمين في التقويم الدقيق ومتابعة تلاوة طلابهم وتصحيح أخطائهم وهذا يؤكد أن هناك ضعفاً عند المعلمين في التعامل مع أخطاء المتعلمين (الطائي-2003 -3،4)،
ولا تقتصر المشكلة على مواد التربية الإسلامية بل تشمل المواد الدراسية الإنسانية الأخرى وهذا ما أكدته دراسات ميدانية عديدة لاسيما في مادة اللغة العربية منها دراسة(هلال1987) التي توصلت إلى إن من أبرز أسباب الأخطاء النحوية قلة توجيه المدرسين لطلبتهم حين وقوعهم بالخطأ النحوي(هلال-1987–87)، وتؤكد دراسة (الخاقاني 1999) إن مشكلة تصحيح الأخطاء المشكلات الميدانية التي يعاني منها التدريس وتُسهم في إعاقة تحقيق الأهداف مما يكون له أثـر سلبي في حياة الطلبة الدراسية وحياتهم العامة وتشير إلى قلة العناية بأساليب التصحيح وتؤكد:"إن أساليب التصحيح من الأركان المهمة في عملية التدريس التي لم تجد العناية التي تتناسب وأهميتها في حياة الطلبة"(الخاقاني-1999-9)، فمشكلة ضعف التصحيح من المشاكل الميدانية المهمة التي تعيق تقدم القدرة القرائية للطلبة وتثير سلبيات كثيرة(إبراهيم-1972-126).
وتشمل مشكلة البحث المواد الدراسية العلمية أيضاً وهذا ما أكدته دراسات ميدانية عديدة منها دراسة (توشي1997) والتي أجريت في مادة الكيمياء إذ تؤكد إن المدرس لا يتفرغ لطلبته ولا يوفر لهم وقتاً ملائماً وكافياً لمعرفة ومتابعة أخطائهم التي قد تتراكم مما يفضي إلى تعلم غير منتظم (توشي-1997-36)، وتؤكد دراسة (النعيمي 2001) التي أجريت في مادة الفيزياء؛ إن كثيراً من المدرسين لا يهتمون لأخطاء طلبتهم ولا يصححونها، ومنهم من يعتقد أن تصحيح الأخطاء مضيعة للوقت(النعيمي-2001-12).
فمشكلة البحث قائمة تتمثل في ضعف كثير من المربين في التعامل مع أخطاء المتعلمين، وضعف تعرف الأساليب التربوية المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، مما يؤدي إلى تعلم غير منتظم، وتشمل المواد الدراسية المتنوعة.
أهمية البحث والحاجة إليه:-
يستمد البحث الحالي أهميته من أهمية الأساليب التعليمية بشكل عام، وأساليب التعامل مع أخطاء المتعلمين بشكل خاص ولاسيما الأساليب النبوية وتظهر الحاجة إليها بشكل كبير إذ لابد (أن يتولى القائمون على أمر النظام التربوي أو متخذو القرار مهمة عملية تصحيح المسار)(سلامة-2000-15)، وتصحيح مسار التعليم لا يكون إلا بتجاوز الأخطاء التي يقع بها المتعلم .
وتتجلى أهمية أساليب التعامل مع أخطاء المتعلمين لاسيما في المواقف الصفية في كونها تُعْلم المتعلم نتيجة تعلمه فيقل التوتر الذي يحصل له، فمعرفة سبب الخطأ يقنع المتعلم بمسؤوليته عنه مما يؤدي إلى مضاعفة جهده لتجاوزه، وهذا يؤدي إلى التخلص من الخطأ وإحلال الصحيح محله مما يؤدي إلى تنشيط عملية التعلم ودفع المعلمين والمتعلمين لتحقيق الأهداف المنشودة (الحيلة-1999-ص560 ،562)، ففي أساليب التعامل مع أخطاء المتعلمين فوائد لكل من المدرسين والطلبة، فإنها تجعل المدرس على دراية بمستوى طلبته، وتجدد ثقة الطالب بنفسه وتمده بخبرة عن الصعوبات التي سيواجهها في مواقف الحياة المتنوعة(الهاشمي-1967-76)، كما تساعد المعلم للتكيف مع احتياجات طلبته، وتمكنهم من معرفة مستواهم الدراسي بدقة (فالمدرس متقصد في إكساب الخبرات التعليمية المختلفة للطلبة لتحقيق مقاصده وأهدافه في تعليمهم واختيار ما يناسبهم في كل موقف تعليمي)(بهادر-1982- 42)، وتؤكد دراسات ميدانية أهمية أساليب التصحيح فيؤكد الخاقاني"إن أساليب التصحيح من الأركان المهمة في عملية التدريس"(الخاقاني-1999-9).
فبالمربي والداً كان أم معلماً أم مصلحاً اجتماعياً حاجة ماسة إلى الاطلاع على أصول التربية ومبادئها والتعمق في وسائلها وأساليبها(الصالحي-1974-5)، فالتربية بشكل عام والتربية الإسلامية بشكل خاص أمانة يحملها الجيل إلى الجيل الذي بعده (النحلاوي-1999-28)، وتسعى لتحقيق المجتمع الفاضل من خلال تكوين الإنسان الخير وهذا لا يتحقق إلا بإصلاح العقل والقلب والجسم ( فالأول ينير الطريق والثاني يحرك الإنسان ويدفعه إلى الأعمال الخيرة، والثالث لابد أن يكون صحيحاً سليماً لانتظام العمل)(يالجن-1982-144)، وكل ذلك لا يتحقق إلا بمتابعة المتعلمين وحسن التعامل معهم ومع أخطائهم باتباع أنجح الأساليب لتجاوزها.
ويستطيع المربي أن يستفيد من الأساليب النبوية في التعامل مع أخطاء المتعلمين في هذا المجال إذ إن (أفضل أساليب التدريس التي استخدمها المربون في المؤسسات التعليمية المتنوعة ترجع في أصولها إلى الأساليب التي كان النبي محمدr يستعملها في تعليم أصحابه، فقد كان r مثلاً في إعداد وتكوين تلاميذه ليكونوا أساتذة للأجيال وللإنسانية فقد كانت أساليبهr في التربية موسوعة كاملة لنماذج الطرائق التعليمية التي عرفتها البشرية)(العبيدو-2000-3)، كما إن إتباع المنهج النبوي في التعامل مع أخطاء المتعلمين له أهمية عظيمة لأن النبي محمد rمؤيد من ربه وأفعاله وأقواله رافقها الوحي، فأساليبهr أحكم وأنجح واستعمالها أدعى لاستجابة الناس، واتباع المربي لهذه الأساليب يجعل أمره سديداً وسلوكه مستقيماً، كما يجعله مقتدياً بالنبي محمدr فيحصل الأجر العظيم إن خلصت النية، وهذا ما التزمه الذين تربوا في المدرسة النبويةy فتابعوا أخطاء المتعلمين وصوبوها (الأنباري-1960-244).
وأكد العلماء المسلمون أهمية هذه الأساليب وذلك من خلال تأكيدهم على أخلاقيات وآداب المعلم والتي من أبرزها إجادة التعامل مع أخطاء المتعلمين فيقول الآجري في كتابه أخلاق القرآن"فينبغي لمن قُرئ عليه القرآن فأخطاء فيه القارئ أو غلط أن لا يعنفه وأن يرفق به ولا يجفو عليه ويصبر عليه"(الآجري-1989-ص82-83)، ويؤكد ذلك النووي في التبيان في آداب حملة القرآن فيقول:"ويثني على من ظهرت نجابته ما لم يخشَ عليه فتنته، ومن قصَّر عنفه تعنيفاً لطيفاً ما لم يخشَ تنفيره"(النووي-1989-30)، ويؤكد أن على المتعلم الانصياع لإرشادات المعلم فيقول:(ينبغي أن ينقاد لمعلمه ويقبل قوله كالمريض العاقل يقبل قول الطبيب الناصح الحاذق وهذا أولى)(النووي-1989-32).
فأهمية الأساليب النبوية عظيمة ولاسيما في التعامل مع أخطاء المتعلمين والحاجة إليها قائمة لكل مربٍ لإنجاح عملية التربية والتعليم إذ يستطيع ملاحظة وتشخيص الحالات المشابهة والأحوال المتقاربة فينتقي من هذه الأساليب ما يتلاءم لتحقيق الهدف المراد من العملية التربوية والتعليمية، فأهمية أساليب تصحيح أخطاء المتعلمين عظيمة والحاجة إليها ماسة ولاسيما إذا اشتقت من السنة النبوية المطهرة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم السلام.