ان استقرار قاعدة قانون الإرادة لم يتم بشكل نهائي إلا في نهاية القرن التاسع عشر وفي رحاب المذاهب الفردية ، تلك المذاهب التي نتجت من رحمها النظرية الشخصية ، وهذه النظرية ترتكز على مبدأ سلطان الإرادة والاعتراف للفرد بحقوق مصدرها طبيعته الإنسانية الحرة ، وان حقه في الحياة هو الأساس لكل الحقوق الأخرى ، وهذا الحق يمنح إرادته القدرة على إنشاء المراكز القانونية بصورة مستقلة على القانون الذي يقصر دوره على تمكين الفرد والسماح له من استعمال الحقوق التي يتمتع بها ، وبذلك يتحقق مبدأ سلطان الإرادة في مجال العقود ، حيث تصبح الإرادة مصدر القوة الملزمة للعقد ، ويكون أطراف العقد بمثابة مشرعين لالتزاماتهم بحسب نصوص وبنود العقد .
تُعد مسالة تحديد القانون الواجب التطبيق على العقد الدولي من أهم المسائل القانونية التي تثيرها دراسة هذه العقود ، لأن تحديد قانون معين يقوم بتنظيم وحكم العقد ليس مجرد تفضيل أو ترجيح قانون على آخر على نحو نظري دون ان يأخذ بحسبان النتائج المترتبة على هذا التحديد ، بل ان هناك جدوى عملية للدراسة هذه تكشف عن ان تحديد القانون الواجب التطبيق من خلال دور الارادة وفق النظرية الشخصية يرتب نتائج وآثاراً قانونية غاية في الأهمية على مجمل العملية العقدية ، إذ يشكل القانون المطبق على العقد الأساس الذي يجري في نطاقه تقدير مدى صحة العقد من ناحية ، والذي ترتكز عليه حقوق والتزامات أطرافه من ناحية أخرى وان الارادة ليست مطلقة في هذا الجانب انما هي محددة باتجاهات ولكل اتجاه معاييره المحددة.
ونظراً لأهمية موضوع اختيار القانون الواجب التطبيق لحل مشكلة تنازع القوانين ودور الارادة حسب النظرية الشخصية في العقود الدولية من أهم موضوعات البحث التي أثارت وتثير جدلاً وخلافاً في نطاق الدراسات والاتجاهات الفقهية والقضائية المتعلقة بها ، نظراً للتطور والتنوع الكبيرين اللذين أصابا أنماط هذه العقود ، واللذين أديا إلى ان أصبحت غالبية التشريعات الوطنية عاجزة عن مجاراة هذا التطور بقواعد ونصوص تعالجها.