اسهم تطور ادوات الاسواق المالية والتغيرات العالمية كالعولمة المالية وتحرير الاسواق المالية العالمية في احداث العديد من الازمات ومنها الازمة المالية الدولية التي تعد من اكثر الظواهر ملازمة للاسواق المالية على الرغم من التطورات التي تشهدها تلك الاسواق نتيجة تطور ادواتها المالية وانفتاحها على بعضها البعض. وتتعرض الاسواق المالية الدولية والناشئة (Emerging Market) منها بشكل خاص الى العديد من الازمات المالية حيث تعرضت تلك الاسواق خلال القرن الماضي للعديد من الأزمات المالية التي أثر بعضها في مختلف قطاعات الدولة التي امتد تأثيرها لأسواق مالية عالمية أخرى الامر الذي شكل تحديا للادارة المالية في مواجهة تلك الازمات المالية.
اتجهت أدبيات الفكر المالي إلى التركيز على تحليل الأزمات المالية في ضوء الظواهر الحديثة المرتبطة بها كالعدوى المالية (Financial Contagion)، ودور المؤسسات المالية مثل صندوق النقد الدولي ) IMF، International Monetary Funds) لتلافي المخاطر الكبيرة للازمات المالية من خلال التدخل الايجابي على وفق طبيعة كل أزمة مالية.
من ابرز الأزمات الدولية المعاصرة، أزمة أسواق جنوب شرق أسيا (1997) التي تعرضت لها أسواق مجموعة دول جنوب شرق أسيا، بعد أن اندلعت تلك الأزمة في سوق تايلند المالي لتنتقل بسرعة وبقوة إلى أسواق مالية مجاورة أخرى، والذي ميز تلك الأزمة عن غيرها هو النمو المتميز للأسواق المالية والاقتصادية لتلك الدول قبل حدوث الأزمة، أذ أطلق عليها النمور الأسيوية (Asian Tigers) الأمر الذي جعل إمكانية تعرضها لازمة مالية أمرا بعيد الاحتمال، وعندما ضربت تلك الأزمة أسواق المال في جنوب اسيا، أصبحت مسألة توقع حدوث أزمات مالية مفاجئة امرأ ليس بعيد الاحتمال بالرغم مما تمتلكه الأسواق المالية من مقومات أداء متميز.
تتناول الدراسة الحالية بعض النواحي الأساسية المتعلقة بالأزمات المالية الدولية، مع التركيز على أزمة أسواق جنوب أسيا بشكل خاص. وقد تمثلت مشكلة الدراسة في الجدل المعرفي حول الأطار المفاهيمي للأزمة المالية (Financial Crisis Concept)، والمفاهيم الأخرى ذات العلاقة، فضلا عن إمكانية أستجلاء التحليل لبعض نواحيها في الأسواق المالية لدول جنوب شرق آسيا (اندنوسيا، ماليزيا، الفلبين، تايلند، تايوان، وكوريا الجنوبية) للفترة (1998-1997)م.
بدأت الازمة الاسيوية عام 1997، ازمة في سوق العملات، وازمة سيولة مؤقتة، لكنها تحولت فيما بعد ذلك الى ازمة مالية واقتصادية ذات ابعاد سياسية خطيرة- الى حد كبير– بسبب السياسات غير المرنة لاسعار الصرف، وشركات مدينة اكثر من اللازم، وقطاع مصرفي ضعيف، وقروض كبيرة وقصيرة الاجل بالعملات الرئيسة للحكومات، ولوائح مصرفية واشرافية غير كافيتين بصفة عامة وضوابط مصرفية داخلية متراخية، وتقييم غير صارم للمخاطر الائتمانية والسوقية، وكان يعتقد بصفة عامة، ان الحكومات لن تسمح بفشل المصارف، وان الودائع مضمونة تماماً، كما ان قطاع التصدير الذي اعتمدت عليه هذه الدول لتحقيق معدلات عالية لنموها الاقتصادي قد تعرض لهزة كبيرة اضعفت قدرته التنافسية، وذلك عندما قامت الصين عام 1994 بتخفيض سعر صرف عملتها.