تحقق القراءةُ التَّناصيَّة قيمة موضوعيَّة للدرسِ النَّقديّ المعاصر؛ بمؤثراتها الثَّقافيَّة، والمعرفيَّة، لأنَّ الإبداعَ من سمات التُّراث الشِّعري في العصر الوسيط، وهو مسرحٌ لتداخلات نصِّيَّة مع مصادر متعددة دينيَّة، وأدبيَّة، وتاريخيَّة أداء ومضامين؛ يأتي اختيارُ (التَّناص مع الحديث النَّبوي في شعر صفيّ الدِّين الحلّي)؛ بوصفه امتدادًا شعريَّا أصيلًا لحضارة راقية معطاء؛ بنتاجها الثَّري، وأعلامها ومعارِفهم، وخبراتهم، وتظهر أهمية البحث من رفعة البلاغة النَّبوية، ورقيها وألقها آلة ودلالة، فضلا عن قيمة الشَّاعر (صفي الدين الحلِّي) في القرن الثَّامن للهجرة، وتفوقه على شعراء عصره؛ فهو قرين المتنبي في شاعريته، وثقافته التي جعلته ذا مكانة راقية في مَرْكَبِ الشِّعر العربي؛ إذ عمد إلى التَّفاعل التَّناصي مع الحديث النَّبوي الشَّريف؛ للاسترفاد من فيضه المعنوي إدراكا منه لقيمتِه في تقوية الطَّبع وتجويد الصَّنعة؛ ليستضيء شعره بقبسه المستقر في حافظته؛ منطلِقًا من قدراته الإبداعية، ووعيه بمؤدياته الفاعلة في الذِّهن.
ويعتدُّ البحثُ بقراءة شعر (صفي الدين الحلِّي) على وفق نظريَّة التَّناص وآلياتها الإجرائية بتتبع الدَّلالة النَّبويَّة واستقصاء ظلالها في التَّشكيل الشِّعريّ، وقد مثَّل التَّناص مع الحديث النَّبوي وسيلة تعبيريَّة ومضمونيَّة ناجعة؛ لأنَّه مما ينزع الذِّهن لحفظه، ومداومة تذكره، فذاكرة المتلقي على مرِّ العصور تحرص على الإمساك بنص الحديث النَّبوي الشَّريف؛ نهمًا بمضامينه، وطرائق أدائه ومساقاته؛ لذا حضر في شعر (صفي الدين الحلِّي) حضورا بنائيًّا نفعيًّا واعيا تعزيزًا لمعجمه الشِّعري، وتوثيقا لمعانيه، وتعضيدها وتأكيدًا لشاعريتـه، وهو أمرٌ أدركه الشَّاعر، وعمل بمقتضاه .