إنَّ من أجلِّ العلومِ علوم العربيَّة , إذْ هيَ المَرقاة إلى فهمِ كتابِ الله , وقد بذلَ سلفُنا الصالح في هذا المجال جهودًا مضنية , وقفوا من خلالِها على أسرارِ الكثيرِ من لطائفِ هذه اللغةِ الشريفة, وتركوا لنا تراثًا ضخمًا أودعوه دقائقَ فكرهِم وعميقَ نظرهِم وهو عنوان لحضارة ِهذه الأمة وأمجادها .
أمَّا ابنُ خروف فهو من أشهر نحاة الأندلس في القرن السادس والسابع الهجريين , ومن أشهرِ شُرَّاح كتاب سيبويه , نجدُ آراءَهُ النحويَّة مبثوثةً في كتب النحوالمتأخرة ؛وذلك لما ينمازُ به من ذهنٍ وقّادٍ وعقليةٍ خصبة , رَبَطتْهُ بأستاذهِ أبي بكر بنِ طاهر علاقة وطيدة أشبهُ ما تكون بعلاقةِ الخليلِ(ت 175هـ) بسيبويه(ت180هـ) ، ويطفحُ شرحُهُ لكتابِ سيبويه الموسومِ بــ (تنقيح الألباب في شرح غوامض الكتاب) بتقديره وإجلالهِ لأستاذهِ ابنِ طاهر الذي نعتهُ بـ (الأُستاذ ) في أكثر المواضع, وكثيرًا ما تَرَحَّمَ عليه عند ذكرِه إياه, وقد أقرُّ لهُ بالفضل وبأنِّ جميعَ حسناتهِ في شرحِ الكتابِ آيلة إليه. قالَ ابنُ خروف مادحًا أُستاذه: (( وللأستاذ أبي بكر في كتاب الأبنية عجائب من تبيين مشكلها وتحقيق المستدرك منها ,وشرح الألفاظ المجهولة فيها, وتعليل ما لم يصح استدراكه والتنبيه عليه, وغير ذلك مما انفرد به (رحمه الله ), واجتمع في هذا الكتاب من ذلك العَجب العُجاب , وما أَظنك يانحويُّ تجده مجموعًا ملخصًا هذا الجمع والتلخيص في كتابٍ , فجميع حسناتي فيه منه (رحمه الله) .
