تواجه المدن التاريخية المتضررة من النزاعات تحديات معقدة في مسارات إعادة الإعمار، تتعدَّى البُعد الفيزيائي إلى أبعاد اجتماعية ووظيفية وثقافية، مما يستدعي أطرًا تخطيطية جديدة تستوعب هذا التعقيد. تُركّز هذه الدراسة على مدينة الموصل القديمة، وتحديدًا محلة الجامع الكبير، باعتبارها نموذجًا حيًّا لموقع تراثي حضري تعرّض لتدمير واسع النطاق نتيجة الحرب، في ظل غياب رؤية تخطيطية مرنة تستوعب خصائص المكان وضرورات التعافي. تنطلق الدراسة من فرضية مفادها أن تفعيل مبادئ المرونة الحضرية يساهم في تسريع عملية إعادة الإعمار واستعادة الوظائف الحضرية، لا سيما في البيئات التراثية. ويهدف البحث إلى تحليل العلاقة بين مؤشرات المرونة الحضرية وإعادة الإعمار في السياقات ما بعد النزاع، من خلال بناء إطار نظري يستند إلى مراجعة شاملة للأدبيات، واستخلاص مؤشرات قابلة للتطبيق، ثم اختبارها ميدانيًا عبر استمارة استبيان وُجّهت إلى عينة مختارة من الخبراء في مجالات التخطيط الحضري وإدارة الكوارث. استخدم البحث المنهج الوصفي المقارن، وربط بين مفاهيم المرونة الحضرية ومراحل إدارة الكوارث (التخفيف، التأهب، الاستجابة، والتعافي). كشفت نتائج التحليل عن وجود فجوة معرفية ومؤسسية في دمج مبادئ المرونة ضمن خطط الإعمار، مقابل إدراك عالٍ لدى الخبراء لأهمية المؤشرات المستخلصة. يقدّم البحث مساهمة علمية في بناء إطار أولي يمكن اعتماده لتوجيه عمليات إعادة الإعمار في مناطق ما بعد الحرب، مع توصيات لتعزيز التكامل بين البعد التراثي والتخطيط المرن ضمن السياسات الحضرية المستقبلية."