لا شك ان للبحار والمحيطات أهمية قصوى في حياة الافراد والشعوب ليس على صعيد توفير المصادر الغذائية والثروات المعدنية حسب، وانما كأداة رئيسة ميسورة في عمليات النقل والمواصلات بين الامم. ولذلك فقد سعى المجتمع الدولي منذ مدة طويلة، الى تنظيم استغلال هذا المورد المهم، ووضع القواعد الكفيلة باستخدامه التي تعد في الواقع، البداية الحقيقية لظهور قواعد القانون الدولي، والباعث الاول على قيامه.
وقد احتل موضوع تنظيم الملاحة في المضايق الدولية مكانا بارزا على هذا الصعيد، نظراً لما لهذه المضايق من تأثير فاعل في سير العمليات الملاحية عبر البحار، وما تشكله من حلقات وصل رئيسة فيما بينها. وعلى هذا الاساس، جرى تنظيم الوضع القانوني للعديد من المضايق الدولية الهامة كالمضايق التركية والدانماركية ومضيق جبل طارق ومضيق ماجلان، طبقا لاتفاقيات دولية خاصة بها.
وقد تعاظمت اهمية المضايق الدولية بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة للتطور التكنلوجي الهائل في وسائط النقل البحري ووسائل استكشاف واستغلال البحار، وما رافقه من تقدم في الانشطة العسكرية والتجارية والمدنية المختلفة، وتطور في الاستراتيجية البحرية للدول بوجه عام والدول العظمى على وجه الخصوص، الأمر الذي انعكس بدوره في مدة وجيزة من الزمن على النظام القانوني الملاحي للمضايق الدولية، وهذا ما يبدو واضحا من خلال القواعد التي ارستها الممارسات العرفية في هذا المجال والاتفاقيات الدولية وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف لعام ١٩٥٨ واتفاقية قانون البحار لعام ١٩٨٢ - التي اضفت الصفة الدولية على الكثير من المضايق التي لم تكن تخضع لهذه الصفة من قبل، ووسعت من نطاق مفهوم المرور عبر المضايق الدولية من حق المرور البريء الى حق المرور العابر الذي يعتبر في رأي البعض الاقرب الى نظلم لمرور الحر في اعالي البحار.
وعلى الرغم من تعدد ميادين استخدام البحار وتنوعها، الا ان استخدامها كميدان للملاحة التجارية بين الدول يعد الاهم من بينها على الاطلاق، كما ويشكل العمود الفقري للاقتصاد العالمي في عصر يتميز بالتبادل والترابط الوثيق بين اعضاء المجتمع الدولي. ولذلك فقد تعين ازالة المعوقات والعقبات كافة التي من شأنها ان تعرقل حرية المرور عبر المضايق الدولية، مع الاخذ بعين الاعتبار الحفاظ على المصالح السيادية والامنية والبيئية للدول المطلة على هذه المضايق. أي يتعين ايجاد نظام قانوني ملاحي للمضايق الدولية يحقق التوزان العادل بين المصالح الوطنية لهذه الدول من جهة، والمصالح العليا او الحيوية للمجتمع الدولي من جهة اخرى.