هذه محاولة لاستقصاء فكرة الجوار في القانون الدولي، والمبدأ الذي يتردد ذكره بمناسبتها هو مبدا حسن الجوار.
تعتمد المحاولة - على خلاف ما جرت عليه العادة الى حد ما - على قراءات متنوعة في وثائق الدول والمنظمات الدولية، للتعرف على الاستخدامات الاصطلاحية لتعبير الجوار فيما ترتبط به من موضوعات على المستوى الدولي، فبدلا من أن نبحث عن نتائج بحوث سابقة في معنى الجوار ومفهوم حسن الجوار، فاننا قد عمدنا مباشرة الى عملية استقراء تناولنا فيها من جهة وثائق ادارية، واخرى سياسية، وثالثة قضائية، وأخيراً وثائق اتفاقية، ونعنى بها الاتفاقات الدولية. وقد اخترنا لكل مما سبق ذكره من الوثائق نماذج اخضعناها للتحليل من اجل الخروج بنتائج تتوافق مع واقع التطبيقات الدولية.
وهكذا فقد وجدنا في بعض الدول اجهزة خاصة تعنى بعلاقات الجوار فالقينا عليها نظرة تساعد على استيعاب المصطلح واستخدامات الدول له. ثم تابعنا استخدام المصطلح في وثائق للأمم المتحدة سياسية وقضائية قبل ان نكرس قراءة اخرى لوثائق اتفاقية وهي اتفاقيات الحدود وحسن الجوار، واخيرا سوف نعرض ما توصل اليه استقراؤنا هذا من نتائج مقارنة بمذاهب الفقه في موضوع البحث.
وهكذا تنقسم در استنا الاستقرائية بمجموعها الى بحثين: يتطرق الاول الى تأصيل الفكرة واستقراء بعض الوثائق الادارية "وقد اخترنا لها نموذجا من سويسرا" والسياسية وقد اخترنا لها وثيقة تتعلق بالمشكلة البلقانية"، والقضائية "وقد اخترنا قرار محكمة العدل الدولية حول النزاع الحدودي القطري البحريني"، بينما يتناول الثاني والأخيرة بالعرض معاهدات الحدود وحسن الجوار "وقد اخترنا معاهدات الحدود وحسن الجوار بين العراق وجيرانه"، مع الاشارة الى قانون المعاهدات لعام ١٩٦٩، وبالتالي فان هذا البحث سيكون الفصل الاول وحسب من هذه المحاولة.