تعد الجرائم الدولية الماسة بالجنس البشري من أشد الجرائم خطورة ضد
البشر، إذ أنها تنطوي على مساس بحياة شخص أو مجموعة من الأشخاص أو
بحريتهم أو حقوقهم أو آدميتهم، وتشكل تلك الجرائم في مجموعها ما يطلق عليه
الجرائم الإنسانية.
وتعتبر الجرائم الإنسانية حديثة العهد نسبيًا على الصعيد الدولي، حيث لم
تظهر في شكلها الحالي إلا بعد الحرب العالمية الثانية، وقد نُصّ عليها لأول مرة
في المبدأ السادس من مبادئ محاكمات نورمبرج الذي حدد تلك الجرائم الدولية
بأنها "القتل، الإبادة، الاسترقاق والإبعاد، وكل فعل آخر غير إنساني يرتكب ضد
أي شعب مدني قبل وأثناء الحرب، وكذلك أفعال الاضطهاد المبنية على أسباب
سياسية أو عرقية أو دينية، متى كانت هذه الأفعال أو الاضطهادات ترتكب تبعًا
.) لجريمة ضد السلام أو جريمة حرب أو كانت ذات صلة بها ) 1
وقد ذكرت مدونة مشروع الجرائم ضد أمن وسلامة البشرية عام 1991
الجرائم ضد الإنسانية تحت عنوان انتهاكات حقوق الإنسان بصورة منتظمة وعلى
نطاق واسع، وأوضحت أن كل من يرتكب أو يأمر بارتكاب أي انتهاك من
الانتهاكات التالية لحقوق الإنسان بصورة منتظمة أو على نطاق جماعي وهي:
"القتل العمد، والتعذيب، وإخضاع الأشخاص لحالة الرق أو العبودية أو السخرة
أو الإبقاء على هذه الحالة والاضطهاد لأسباب اجتماعية أو عرقية أو دينية أو
." ثقافية، أو يأمر بارتكاب أو يرتكب جريمة إبعاد السكان أو نقلهم عنوة يعاقب" 2
وتعد جريمة الإبادة الجماعية إحدى الجرائم الموجهة ضد الجنس البشري،
بل يمكن وصفها بأنها أشد الجرائم الدولية جسامة وبأنها جريمة الجرائم، وذلك
لما تشكله من تهديد للإنسان في حياته وصحته وكرامته، وتظهر خطورتها في
كونها تهدد بإبادة جماعة أو جماعات كاملة لأسباب دينية أو عرقية أو عنصرية
أو قبلية… الخ، وتأخذ الإبادة إما صورة مادية كما في الاعتداء على الحياة أو
الصحة، أو صورة بيولوجية كما في إعاقة النسل وحرمان جماعة من النسل
للتكاثر عن طريق التعقيم والإسقاط، أو تنصب الإبادة في صورة ثقافية كما في
حرمان مجتمع ما من لغته أو ثقافته.
وتشكل الإبادة الجماعية نوعاً من السادية يبرز أخطر ما في النفس البشرية
من وحشية ضارية وشذوذٍ عند فاعلها، كما أنها تعد أحد صور الجرائم الدولية
التي تستوجب معاقبة مرتكبيها والتعاون الدولي لمحاربتها والقضاء عليها.