ان الحاجة المتزايدة للآخر امر لا يمكن البحث عن دليل فيه ، فالإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع العيش منفردا ، ومن ثم لا جدال في عجزه عن تلبية احتياجاته بنفسه، فهذا التبادل في المنفعة يجري عبر وسيلة قانونية تدعى ب (العقد) ، فكل ما نحصل عليه اليوم من حاجات اساسية لغرض تأمين العيش والسكن والتجارة وتبادل الخبرات يتم عبر طريق واحد هو الاتفاق الذي قد يتم بين اطرافه مباشرة أو عبر وسيط.
وتختلف العقود من حيث الاهمية ، فما نستمده من العقد عبر تلبية احتياجاتنا البسيطة لا يثير أية مشاكل ، ولا نعاني من اختلاف الظروف التي نشأ فيها ، باعتبار ان تنفيذ ذلك يتم في لحظة زمنية واحدة.
الا ان العقود الكبيرة والمستمرة التنفيذ ، والتي قد تأخذ زمنا طويلا في تحقيق مصلحة اطرافها ، قد تعتريها بعض الظروف القاهرة التي لم يكن من المتوقع حدوثها ، ولم يهيأ أي منهم نفسه لمواجهتها والتكيف معها ، مما يضعه أمام خسارة جسيمة ومرهقة ، مما يستوجب اعادة التوازن الاقتصادي للعقد .
واعادة التوازن الاقتصادي للعقد يجب أن لا يترك لمشيئة أطرافه ، وانما يجب أن يتولى القضاء ذلك بمنحه السلطة التقديرية التي يتحرك على ضوئها في تخفيف حدة الارهاق الذي وقع حيفه على المدين ، وان لم يكن ذلك بكامله ، وانما بالشكل الذي يتحمله في ظل الظروف العادية.
ولم يكن قبول هذا التدخل امرا سهلا في ظل سيطرة مبدأي سلطان الارادة ، والقوة الملزمة للعقد ، اذ اعتبر تلاقي الارادتين على انشاء العقد قانونا يجب احترامه ، وعدم اجراء أي تعديل عليه مهما كانت الظروف التي تواجه عاقديه ، الا ان التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لم تلبث ان غيرت هذه القناعة الراسخة بقوة الارادة ووقوفها بالضد من أي تعديل يطرأ على العقد ، فقد استجابت التشريعات لمبدأ تدخل القاضي في اعادة التوازن الاقتصادي للعقد اذا ما واجه اطرافه ظروف استثنائية جعلت تنفيذ العقد مرهقا للمدين ويواجه خسارة فادحة ازاء ذلك. أو اذا كان التعويض الاتفاقي الذي قدره المتعاقدان قد كان فادحا ، أو ان العقد قد تضمن شروطا تعسفية
ينوء بحملها الطرف الضعيف فيه مما يوجب تدخل القضاء لتعديلها أو الاعفاء منها.