المقدمة:
تعد الخطوة الأولى او خطوة البداية من اهم التحديات التي تواجه الاقتصاديين وصناع القرار في العراق لإعادة تنظيم الاقتصاد العراقي وإعادة اعمار ما دمرته الحروب والسياسات الاقتصادية السابقة على حد سواء، فالتخلف ضارب إطنابه في كل مكان، فهناك تخلف في القطاعات الرئيسية المختلفة كالقطاع الزراعي والصناعي وهناك تدمير في البنية التحتية نتيجة الحرب وما قبلها واختلال في الإنتاج ومعدلات عالية من البطالة وتفاوت كبير في توزيع الدخول والثروات بين الأفراد والأقاليم على حد سواء وانتشار الفقر بين أفراد المجتمع وتردي الحالة المعيشية للسكان والتدهور البيئي. وفوق ذلك غياب العناصر الرئيسية للسياسات الاقتصادية الكلية المتمثلة بالسياسات المالية والنقدية والتجارية وغيرها نظرا لغياب كامل لدور الحكومة في إدارة النشاط الاقتصادي او التأثير فيها نتيجة الوضع الأمني المتدهور وعدم الاستقرار السياسي، إضافة الى عدم الثقة بالمستقبل.
من اين نبدأ؟ واي من هذه التحديات السالفة الذكر ذات أولوية. وكيف يمكن ان نحدد ماهو مهم وما هو أهم، وما هو مطلوب بشكل ملح. وكم هي الأموال المطلوبة، ومن الذي يقوم بكل تلك الأعمال في ظل الحديث عن فساد مالي وإداري لم تشهد له البلاد مثيلا في التاريخ. وما هو دور القطاع العام وما هو دور القطاع الخاص، وما هي حجم الديون والتعويضات المطلوب من العراق الإيفاء بها، الى غير ذلك من الأسئلة الكثيرة التي تتطلب الإجابة عنها وبشكل دقيق.
لقد أتت الحرب على كل شيء، فلم تدمر الحرب البنى التحتية فقط والتي يعنى بها راس مال المجتمع مثل المدارس والمستشفيات والطرق والجسور والسدود والمحطات والمطارات، وإنما دمرت البنى الفوقية والتي يقصد بها التشريعات والأنظمة والقوانين والإطار الأكبر لها هو مؤسسات الدولة التي كانت تحكم عمل البنى التحتية. والذي لم تدمره الحرب بشكل مباشر دمرته أيادي خبيثة جاهلة من خلال عمليات السلب والنهب والحرق والتهريب الى خارج البلاد. لقد نزحت ثروة البلد التي حققها عبر عقود عديدة كلها الى خارج الحدود. وإذا ما ذهبنا لأبعد من ذلك نجد ان الحرب قد دمرت حتى منظومة القيم التي أقامها المجتمع منذ آلاف السنين.. الم يكن العراق مهد الحضارة وصاحب اول مسلة للشرائع، وها نحن بعد آلاف السنين من مسلة حمورابي التي ربما هي الآن خارج العراق مع مثيلاتها من التحف والآثار العراقية الأخرى بعد التهريب الشامل للآثار العراقية لا نجد قانونا واحدا يمكن تطبيقه في العراق حتى لو كان القانون الذي لم يكتب هو وهو علاقة الأخ بأخيه او الجار بجاره.
ولقد طرحت تساؤلات عدة بخصوص مستقبل العراق الاقتصادي ومدى قدرته على مواجهة التحديات التي تهدده، لاسيما في ظل عدم الاستقرار الأمني والاجتماعي وطغيان حالة الفساد الإداري في معظم مرافق الدولة، بحيث أصبح من الصعب البدء في عملية إعادة اعمار حقيقية، مالم يتم القضاء على الظواهر السلبية التي أفرزتها الحرب في المجتمع العراقي. على ان ذلك لم يكن المعوق الوحيد، فقد ظهرت تحديات جديدة أخرى لاتقل أهمية عما سبق ذكره من تحديات وهي مشكلة تمويل إعادة الاعمار ومشكلة الديون الخارجية. ولقد تصاعد الجدل بين المختصين بشأن الكيفية التي يتم بها تمويل إعادة الاعمار ولا سيما بنيته التحتية المدمرة، التي تعد حجر الأساس في الشروع بإعادة بناء حقيقية، وما هو الدور الذي يمكن ان تقوم به المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي، وما يمكن تحقيقه من خلال الاعتماد على الذات.