ينصرف مفهوم القدرات التوزيعية إلى قدرة الدولة على تحقيق العدالة في توزيع المنافع والخدمات والثروات والوظائف بين أفراد المجتمع على نحو متكافئ ومن دون تمييز. وتمثل هذه القدرات في الوقت ذاته وسيلة وغاية للأنظمة السياسية المعاصرة الساعية إلى ترسيخ مبدأ التوزيع العادل للموارد واستثمارها بصورة رشيدة لتحقيق التنمية الشاملة والمستدامة.
يهدف هذا البحث إلى تحليل التحديات والأسباب التي تعيق بناء قدرات توزيعية فعّالة في العراق بعد عام 2006، وما نتج عنها من أزمة تنموية انعكست على عدالة توزيع الموارد والفرص. وتنطلق إشكالية البحث من فرضية مفادها أن العراق يعاني من سوء توظيف القدرات التوزيعية بفعل مجموعة من التحديات البنيوية ذات الأبعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وللإحاطة بأبعاد هذه الإشكالية، اعتمد البحث المنهج التحليلي الكمي الذي يجمع بين التحليل النظري وتوظيف البيانات الإحصائية والأشكال والجداول التوضيحية لقياس مظاهر الخلل في التوزيع. وتم تحليل المؤشرات الرقمية الخاصة بالإنفاق العام، وتوزيع الخدمات، والموارد، وفرص العمل عبر مختلف القطاعات، من أجل تحديد الاتجاهات البنيوية في أداء الدولة التوزيعي.
توصلت الدراسة إلى أن التحديات السياسية المتمثلة في المحاصصة الحزبية والصراع على التشريعات ذات العلاقة، إلى جانب ظاهرة الإرهاب، أسهمت في إضعاف العدالة في توزيع التخصيصات المالية والخدمات. كما أدت التحديات الاقتصادية إلى تفاقم عدم التوازن في الإنفاق الحكومي بين القطاعات، في حين حدّت التحديات الاجتماعية من فاعلية آليات التوزيع العادل، الأمر الذي أضعف كفاءة القدرات التوزيعية وأثر سلبًا في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية في العراق.