التعايشَ السِلمي مُصطلح يُتداول بين الأوساطِ السياسيّة والثقافيّة والإجتماعيّة، ولهُ رواجٌ كبيرٌ في الأزمنةِ المُتأخرة، وكأنّهُ مفهوم ومُصطلح حديث، لكنَّ الواقع التاريخي والعلمي خلافُ ذلك، وإنّما هو مفهومٌ مُتداول مُنذُ القِدم، حتى جاء القرآن الكريم، لكي يكشف ويُبيّن هذا المُصطلح مِن حيثُ المعنى والثمرة. وتبعتهُ –في ذلك- السُنّة النبويّة -قولاً وفعلاً وتقريرًا- لِتُبيّن المعنى الحقيقي للتعايش السّلمي بِكلِّ وضوح، فأكثر النبي (صلى الله عليه وآله) في وصاياه بتحقيق السِّلم والسَّلام، وتأكيده في حال الحرب والسِّلم، كما جسَّدهُ عمليّا حينما انتقل (صلى الله عليه وآله) الى المدينة، وعقد الوثيقة المشهورة للتعايش والسِّلم المُجتمعي، بين الأجناس والأديان والقوميات المُتنوّعة في المدينة، على وفق بنود وضوابط عُقلائيّة مدنيّة عديدة، كانت دستورًا لِأهل المدينة، ولم يكن قبل ذلك الحين هكذا دستوراً سِلميًّا معروفاً بين القبائل المُتنوعة دينًا وقوميةً وجنسًا، فشمل اليهودي والمسيحي والمسلم والحبشي. وهكذا جسَّد أمير المؤمنين علي (عليه السّلام)، مفهوم التعايش السِّلمي في وصيتهِ لِمالك الأشتر النخعي، حينما ولّاه على مِصر، فقال لهُ: "واشعر قلبك بالرحمة للرعيّة والمحبّة لهُم، واللطف بِهم، ولا تكوننّ عليهم سبُعاً ضاريًا، فإنَّهُم صنفان: إمّا أخٌ لكَ في الديّن وإمّا نظيرٌ لك في الخَلق... فأعطِهم عفوَك وصفحك مثل الّذي تُحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه"( ). فالخالقيّة أصلٌ مُقدّسٌ في تعايش جميع البشر بسلمٍ وويئام، دون إعتداءٍ أو عدوانيّة. والقرآن الكريم بصفتهِ خاتماً وحاكماً ومُبيّناً ومُفصّلاً للشرائع السماوية، على وفق المنظور السماوي والعدل الإلهي، يُصرّح بأنّ الله خلق الإنسان في أحسن تقويم، وهو أولى بِحفظ كرامته، وأنّ بوادر الخير والسِّلمِ موجودة في أصلِ فِطرة الإنسان وجبلته، إلّا أنَّ العوامل المؤثرة في حركةِ وسلوكِ الإنسان كثيرة، لِذا يحتاج الى تسديدِ وتوفيق وتعقِّل. وقد زاد الإسلام في قداسة وكرامة الإنسان، حتى قال الإمام الصادق (عليه السلام) قال النبي (صل الله عليه وآله): "المُؤمن حرامٌ كُلّهُ عِرضهُ ومالهُ ودمهُ"( ). فلا يجوز التجاوز عليه ماديّاً أو معنويّاً، بأي شكلٍ من الأشكال.