فإن البحث في علم المصطلح من الأمور المهمة في كل علم، ومنها: علم الفقه، ففي هذا العلم مصطلحات مختلفة، منها ما يكون متفقاً بين الفقهاء، ومنها ما يكون خاصاً ببعضهم، ومن هذه المصطلحات الخاصة: مصطلح حكاية المذهب، وهو فرع من مصطلح: الطرق، وهو مصطلح اختص به الشافعية؛ ذلك أن بعض الآراء الفقهية لديهم قد ينقلها بعضهم خلاف ما ينقلها البعض الآخر، فقد يقول البعض: في المسألة قولان، فهو حكاية عن مذهبهم، ويقول الآخر: بل هو قول، أو وجه، أو غير ذلك، فهذا، أيضاً: يحكي أن مذهبهم خلاف ذلك، وهذا النقل لهذه الآراء، هو ما يسمى بحكاية المذهب، وهذا الخلاف قد يختلف فيه الفقهاء من حيث الترجيح، فقد يرجح بعضهم طريقة العراقيين، وبعضهم طريقة الخراسانيين، وهما المدرستان الأساسيتان في المذهب الشافعي، والتي قام عليهما هذا المصطلح، مما يكون له في النتيجة الأثر البارز في الترجيح. من هنا، أردت أن أكتب بحثاً يركز على هذه الحيثية؛ لأهميتها، أولاً، وللتعريف بها، ثانياً، فهذا المصطلح قد يجهله كثير من الباحثين، كونه مصطلحاً خاصاً، جداً، وكذلك عدم ذكره صراحة في عدد من المصادر، فإنهم قد يكتفون بذكر طريقة العراقيين، أو طريقة الخراسانيين، من غير التصريح بهذا المصطلح، مع أن ذكر هذا الخلاف بين الطريقتين، هو ذاته ما يسمى بحكاية المذهب، فالعراقيون، كأبي علي الطبري، والماوردي، وأبي إسحاق الشيرازي، مثلاً، عندما ينقلون مذهبهم على أنه قول واحد، فهم ينقلون رأي مذهبهم، والخراسانيون كإمام الحرمين، والبندنيجي، والروياني، وغيرهم عندما ينقلون أن مذهبهم في المسألة ذاتها، هو وجه واحد، وليس قولاً، وأحياناً، يكون الخلاف بين فقهاء المدرسة ذاتها، فإن مجرد هذا الحكاية، أو هذا النقل، هو ما يسمى بحكاية المذهب.