يتخذ مشروع (نظرية لسانيات التراث) من التراث اللغويّ العربي القديم في شموليته موضوعًا لدراساته المتنوعة، على وفق منهج (إعادة القراءة) الذي يتسم بغايات متعددة، منها قراءة التصورات اللغوية القديمة وتأويلها على وفق ما وصل إليه البحث اللسانيّ الحديث، والتوفيق بين نتائج الفكر اللغويّ القديم والنظريات اللسانية الحديثة، ومن ثمّ إخراجها في حلة جديدة، تبرِّزُ قيمها التاريخيّة والحضاريّة، على وفق نمطٍ من القراءة الجديدة، حتى يستوي هذا النمط اتجاهًا فكريًا قائمًا بذاته.
ولما كانت موضوعات لسانيات التراث تستبطن غاياتٍ متعددة، فإنَّها تروم من ذلك التراث الكشف عن التقريب والمماثلة بين التراث اللغويّ العربيّ واللسانيات الحديثة. ومن شذرات التقريب والمماثلة في تراثنا العربيّ ما نجده عند ابن خلدون الذي كان مُميّزًا وسابقًا لعصره في مقارباته اللسانية التطبيقية، بل امتدت ملاحظاته إلى قضايا لسانية نظرية، ذات نسب قريب باللغة العربيّة على وجه الخصوص، فتكلم عن اللغة واللسان ومفهومها، وطبيعة كلٍّ منهما، وتناول قضية التّطوّر اللغويّ، وماهية الإعراب ووظيفته، وحقيقته من حيث الطبع والصنع، وأشار إلى الفصاحة والبلاغة، وتناول بالنظر العميق علاقة اللغة بالمجتمع، وطبيعة هذه العلاقة ومردودها البادي فيما نسمّيه بـ(التّنوع اللغويّ) أو بعبارة أدق محاولة الكشف عن مدى المواءمة بين البنية اللغويّة والبنيتن النفسية والاجتماعيّة، التي تُعدُّ أساس العمل في اللسانيات التطبيقية، فجاءت تلك المقاربات في مبحثين، هما:
المبحث الأول/ مقابات سايكولسانيّة عند ابن خلدون
المبحث الثاني/ مقاربات سوسيولسانيّة عند ابن خلدون.