الحكمة هي نظرات تأمليّة في الحياة وقضاياها، والناس وأخلاقهم، وغاياتهم ومصائرهم، وهي نداءٌ لكشف الحقيقة، وتقديم الصورة النموذجية لقيم الحقّ والخير والجمال، وأخذ العبرة، وقد تناول الشعراء منذ الجاهلية هذه المعاني الإنسانية، وكان العرب يُكبرون الشاعر الحكيم، وقيل: "إنّ العرب كانت لا تعدّ شاعراً فحلاً حتى يأتي ببعض الحكمة في شعره "([i]). غير أنّ النَظْم في الحكمة لم يكن غرضاً مستقلّاً، كما هو الحال في أغراض المديح، والرثاء، والهجاء، والغزل وغيرها، فكانت أبيات الحكمة تأتي بصورةٍ عارضةٍ تستدعيها طبيعة الموضوع، وهذا يعني أنّ الحديث عن الحكمة في الشعر يحتاج إلى بحثٍ وتنقيب؛ كتنقيب الشحيح الذي ذكره أبو نوّاس:
بُليتُ بَلى الأطلالِ إنْ لمْ أقفْ بِها وقوفَ شحيحٍ ضاعَ في التُرْبِ خاتِمُهُ
ومع مجيء الإسلام، استمرّ الشعراء يُزيّنون قصائدهم بالمعاني الحكيمة، وكان للإسلام أثرٌ ظاهرٌ في المعاني التي تناولها الشعراء، وفي توظيف الشعر لمحاربة الأيديولوجية الجاهلية، وخدمة الدين الإسلامي، وقد بَقيتْ هذه الحكم خالدةً؛ لأنّ الشاعر الحكيم إنسانٌ تجاوز الخاص إلى العام، فكرّمه الناس بأنْ حفظوا أشعاره وتناقلوها جيلاً بعد جيل.
[i]- السيوطي، جلال الدين (911 هـ)، شرح شواهد المغني، لجنة التراث، بيروت، د.ت. 1/23.