أَهَمُّ ما جَعَلَني أُيَمِّمُ وَجهِي صَوبَ هذهِ النَّظَرِيَّةِ دُونَ غيرِها مِن النَّظَرِيّاتِ الدَّلاليَّةِ الغَربيَّةِ ما رَأَيْتُهُ مِن اضطِرابِ الباحثِينَ العَرَبِ في تَحديدِ حَقيقَةِ هذهِ النَّظَريَّةِ في نَفسِها وفي مُوازَنَتِها بِغيرِها مِن النَّظَريّاتِ. وما ذاكَ، في اعتِقادِي، إلاّ بِسَببِ تَقاعُسِ القادِرِينَ مِنهُم على النَّهلِ المُباشِرِ مِن مَعينِ المُدَوَّنَةِ اللِسانيَّةِ الغَربيَّةِ، واكتِفاءِ العاجِزِينَ عن ذلكَ بِمُتابَعَةِ أَقوالِ بعضِ أَوائلِ مَن كَتَبَ مِن العَرَبِ عن هذهِ النَّظَرِيَّةِ بِالاعتِمادِ على تَرجَمَةِ نُتَفٍ مِن هُنا وهُناكَ.
وقد أَدَرْتُ بَحثِي على ثَلاثَةِ مَباحِثَ؛ جاءَ أَوَّلُها مُفصِحًا عن حقيقَةِ هذهِ النَّظريَّةِ، بتتبُّعِ جُذورِها التَّأريخيَّةِ في الإرثِ اللِسانيِّ الغَربيِّ، ثُمَّ بِالإيرادِ المُفَصَّلِ لِمَرحَلَةِ بَلوَرَتِها في العَصرِ الحديثِ. أمّا ثاني المَباحثِ فخَصَصْتُهُ لِبَيانِ أَهَمِّ ما وَقَفْتُ عليهِ مِن أَوجُهٍ نُقِدَتْ بِهِ هذهِ النَّظريَّةُ في الغَربِ، أو استُدرِكَتْ عليها، أو بِتعبيرٍ آخَرَ ما تُلُقِّيَتْ بِهِ مِن نَقدٍ وتَقويمٍ. وأمّا المَبحثُ الثّالثُ فمَحَضْتُهُ لِلحديثِ عَن صُوَرِ تَلَقِّي النَّظريَّةِ واستِقبالِها عندَ مُحدَثِي الدّارِسِينَ العَرَبِ، وما وَقَعوا فيهِ مِن تَخليطٍ واضطِرابٍ لأَسبابٍ يَأتي ذِكْرُها في مَوضِعِها بِإذنِ اللهِ تَعالَى. وأَتبَعْتُ ذلكَ الخاتِمَةَ التي ضَمَّنْتُها أَهَمَّ ما تَوَصَّلَ إليهِ البَحثُ مِن نَتائجَ، ثُمَّ مَسرَدًا بِمَصادِرِ البَحثِ.