يمثل شعر البحتري (204- 280هـ) إنموذجاً له خصوصيّته في الشعر العربي القديم، حيث أجمع النّقاد على قوّة هذا النموذج وتمثيله الشعر العربي الذي سار على خطى القصيدة الموروثة في العصر العباسي من حيث المضامين والتشكيل البلاغي الموروث، إذ كان يقابل إنموذج أبي تمام الذي اختار الصنعة، والخروج على عمود الشعر العربي، وتأتي قصيدة السينية رأس شعرية البحتري. لتمثل إنموذج شعريّة البحتري في موضوعها وقّوة سبكها اللغوي والبلاغي، ولذلك فقد عُني بها الدارسون من العرب وغير العرب. إذ قرئت من أوجه مختلفة وكانت كلُّ دراسة لها ما يبررها. وتأتي هذه الدراسة لتقرأ سينية البحتري من وجهة نظر أخرى هي " قتل الأب الثقافي". إذا ترى الدراسة أنّ ما جاء في القصيدة من لوحات شعريّة تمثّلت في الحديث عن الذات وعلاقتها مع الآخر، حيث مثل ذلك مقدمة القصيدة ثم ما جاء من وصفٍ لرمز الحضارة الفارسيّة "إيوان كسرى" إذ كان وصفاً يقوم على التعريض بالحضارة العربية وفقرها المتمثل في" أطلال سعدى" كما ذكر البحتري. ولعل حالة "قتل الأب الثقافي" يقع في نفس الكثير من أبناء الحضارات، ولا سيما الذين يعون صورة الذاتية والغيرية والبحتري إنموذجٌ من هؤلاء. ولعل هذا ما توصلت إليه الدراسة من نتائج تمثلت في :رفض البحتري ما كانت علية الحضارة العربيّة، وإعجابه بما كانت عليه الحضارة الفارسيّة من خلال ما تركت من آثار باقية ومنها " إيوان كسرى".