يفترض البحث أن تجليات صورة العقل عند شعراء الأندلس، لم تأخذ ما تستحقه من الاهتمام بسبب قلة البحوث والدراسات التي تناولتها، سواء أكانت تلك الدراسات مفردة لتلك التجليات، أم أنها جاءت ضمن بحوث أخرى تناولت الشعر الأندلسي عامة. فكان ذلك هو الدافع لكتابة هذا البحث، الذي يهدف إلى تسليط الضوء على أنماط من الصور والتجليات، لمدلولات علامات العقل والذكاء والمعرفة، ضمن منظومة القيم والمثل في القصيدة الأندلسية، بوصفها بنى أو وحدات تعبيرية احتلت مكانة عند الشاعر الأندلسي؛ لأن أي وحدة تعبيرية (صورة أو حدثاً أو إيماءة) مهما صغر حجمها أو كبر، تظل حاملة لدوافع وجودها وأسرار ظهورها، على نحو يوضحه سياقها الشعري العام، الذي تشكل وفق خصائص توصيفية أسهم الشاعر (الباث) والمتلقي معاً في إنضاجها. إذ ما من نص كبر أو صغر لا يخلو من نظرية توصيلية(إ.أ. ريتشاردز، مبادئ النقد الادبي، 1963 ، ص64ـ68 )،إن دخول هذه البنى التعبيرية عالم القصيدة عبر تجليات عديدة ، أقامها الشاعر من مكونات مجتمعه وأشيائه المحيطة.، وهذا البحث سيتناول تلك التجليات ضمن مقتربات نفسية ، فضلاً عن محاولة إنضاج تصور لكيفية بناء الشعراء لمعانيهم بخطرات فنية. ويميّز هذا البحث بين شكلين من صور العقل: الأول ارتبط بالمرجع الواقعي الذي أحاطت به معرفة الشاعر وادراكه، وما مرت به من تجارب اخضعها لمصفاة إدراكهُ النفسي، أما الشكل الثاني فقد وجدناه عند الشعراء الصوفية الذين عبروا عن تلك التجليات ، بما أدركوه بطريق الإشراق، عكسوا فيه رؤيتهم للجمال القدسي؛ فصار التأمل والنظر والأحساس بوحدة الوجود والحضور الإلهي ، هو الموجه لتلك الصور والتجليات ، ولسعة الموضوع قررننا أن نختار نماذج شعرية لشعراء ينتمون إلى عصور مختلفة ؛ كل شاعر يمثل العصر الذي ينتمي إليه