افتقرت الدراسات الأندلسية لدراسة حول الخدمات العامة في مملكة غرناطة، التي يمكن أن نطلق عليها اسم ”الأندلس الصغرى“، بعدما تساقطت المدن الأندلسية الواحدة تلو الأخرى وخاصة على فترة دويلات الطوائف، التي تميزت بالتنافر فيما بينهم، الأمر الذي ساعد الطرف الآخر (النصارى) من استثمار هذه النزاعات إلى استعادة بعض المدن الأندلسية التي سرعان ما عادت بعد دخول المرابطين إليها.
وهكذا صارت حال الأندلس بين المد والانحسار، وعلى أثر ذلك أطلقنا على مملكة غرناطة التي ظلت وحيدة واقفة أمام كل الغزوات القادمة من النصارى اسم ”الأندلس الصغرى“ والتي امتد صمودها للفترة (629-897ه/1232-1492م).
إن مثل هذا الصمود لابد أن يقف وراءه الكثير من العوامل بشتى مناحيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بمعنى كل عوامل نمو واستمرار الحضارة الإسلامية فيها، فكان لابد أن تكون الخدمات العامة إحدى تلك العوامل التي ترتبط بدرجة وبأخرى بالنواحي الآنفة الذكر... من هنا جاء بحثنا الموسوم بـ ”الخدمات العامة في مملكة غرناطة“. إذ إن بقاء الأندلس الصغرى اكثر من قرنين ونصف لهو دليل على رقي الخدمات ومدى تنوعها وتطورها، فبقاء الشخص وتشبثه بالأرض مرتبط بالقيم الإسلامية والأخلاقية وما إلى ذلك، كان لابد لنوع وتنوع الخدمات أثر في ذلك التشبث الذي دام كل تلك الفترة، من هنا جاءت دراستنا لهذا الموضوع الذي تضمن بقدر ما أمدتنا به المصادر والمراجع التي اطلعنا عليها وبما تجبرنا شروط البحث تشكيلاً منوعاً من الخدمات.