تشكلت أزمة العقلانية العلمية المعاصرة من وجود تفاوت بين الفلسفة والعلم ، ومن هو بين العقلانية الصورية والعقلانية التجريبية ، وتباعد منهجي بين منظومة الغايات ومنظومة الوسائل
هذا اللاتماثل بين الاتجاهين يقف وراءه التشبث بالمنطلقات وتضيف مجال التأسيس في عناصر محدودة ، ومقولبة والارتكاز على أنساق مغلقة والإسناد إلى قيم تقليدية ورفض التجديد والتقدم.
لقد فطن غاستون باشلار إلى هذه الأزمة التي أصابت المرحلة العلمية المعاصرة وتحسس صعوبة تشخيص العلل ، والتعرف على الأسباب والتنبه إلى تعثر محاولات الخروج من هذه المضيفات بالتعويل على اتجاه ابتسمولوجي دون آخر وبالانحياز إلى مذهب فكري دون غيره.
لقد قدر باشلار بوجود قطائع وحدوث انكسارات ، وتفجر ثورات في مسار تأريخ العلوم، ويعترف بفضل العلم في تثقيف العقل ، وتطويره وتعليمه وتدريبه وتمكينه من الاستفادة من أغلاطه ، وتجاوز كبواته وتخطي عوائقه ومكبوتاته .
لا ينتقل العلم من المعرفة العامة إلى المعرفة النظرية ، ومن الواقع العيني إلى الواقع الموضوعي إلا بأحداث قطيعة ابستمولوجية من المعطى المباشر والتجربة العفوية، وتحطيم الحكم المسبق والأقوال غير العلمية والتوجه نحو المبني ، وإقامة التجربة المتوازنة وعقلنة الظواهر وحساب الوقائع وتوسيع الحروب بطريقة جدلية ، وتشكيل نسق معرفي جديد قادر على استيعاب التناقضات وتفسير الكون لتشتمل على كلية الواقع .