ان الخدمة الاجتماعية هي عمل مجتمعي، وجهود مشتركة، وخدمات إنسانية يقدمها مختصون أكاديميون (أخصائيون اجتماعيون) بطرقٍ وأساليب علمية وجهود ومنظمة، لتقديم الأدوار العلاجية، والوقائية، والإنمائية بما يخدم حاجات المجتمع الإنساني ومتطلباته سواء على مستوى الفرد أو الجماعة، أو المجتمع ككل، وغالباً ما تقدم تلك الجهود من خلال مؤسسات اجتماعية خاصة، أو عن طريق إدارة وتوجيه عدة مؤسسات بطريقة تشاركيه. وكما يقال فأن المجتمعات تنهض برأسمالها المادي وبما تملكه من ثروات وإمكانيات، وبرأسمالها البشري وما يملكه من خبرات ومؤهلات، لذلك نحن نركز في هذه الدراسة على الاستثمار في المجال البشري (تأهيل قوات الحشد الشعبي) فأن الاستثمار فيهم، يُعدْ جهداً تنموياً ضرورياً لمستقبلهم، ورعاية أفكارهم وبناء شخصياتهم وتنمية مجتمعهم. غير أن مقاتلي الحشد واجهوا أوقاتاً عصيبة، فقد كانوا حطب الحروب وضحايا الاعتداءات والهجمات من ما يسمى تنظيم داعش الإرهابي، فضلاً عما دمرت صعوبات الحياة من: البطالة، والفقر، والتهميش، والتهجير القسري...الخ ، حياة الآلاف منهم وعوائلهم.
في هذه الدراسة الموجزة نحاول ان نراجع جانباً مهماً من الجهود المبذولة في العراق لبناء قاعدة بيانات موضوعية واسعة، يمكن أن تستثمر لوضع إستراتيجية (عراقية) وطنية، بصورة مباشرة من الجهات ذات العلاقة. أن هدفاً كهذا يتميز بأهمية استثنائية، لاسيما وان العراق مقبل – بأذن الله- على مرحلة تنمية، وبناء وأعمار يحتاج فيها لكل موارده البشرية والمادية وفي مقدمة من يحتاجهم ويعول عليهم هم شريحة الشباب للاستفادة منها في وضع الرؤى ورسم ملامح الخطط المستقبلية، بما في ذلك رعاية (مقاتلي الحشد الشعبي) عبر التعرف على حاجاتهم ومتطلباتهم وصولاً لتنمية قدراتهم وتأهيلهم وبناء شخصياتهم.
إلا إن ظروفاً معينة قد تحول دون تحقيق تلك المطالب المشروعة، لاسيما حين تكون الحرب قد نالت منهم وأربكت حياتهم، ولم يجدوا من يمد يد العون لهم لانتشالهم من واقع الحرب والعسكرة التي ذاقوا ويلاتها. أن وضع إستراتيجية وطنية مستقبلية سوف تخدم وترعى أفكار الشباب المقاتلين وتوجههم بما يفيد في بناء شخصياتهم وتقويم رؤاهم المستقبلية، فهي أذن مطلب حضاري يقوم على قاعدة التوازن بين الأجيال ويأخذ في الاعتبار ثقافة المجتمع، و وقيمه، وعاداته، وتقاليده لتوجيه أفكار أولئك المقاتلين بما يخدم وطنهم، دون إهمال لقيم الحداثة والاهتمام بالتحديث لمتطلبات التطور الاجتماعي. في هذه الدراسة : سنراجع بعض الجهود العلمية التي من الممكن ان تشكل منطلقات أساسية للإستراتيجية المطلوبة. فضلاّ عن بعض المقترحات حول الإستراتيجية الوطنية المستقبلية لخدمة (عناصر الحشد الشعبي) ودعم شخصياتهم وتوجيه رؤاهم المستقبلية نحو الأفضل والأحسن.
أن صياغة هذه الإستراتيجية الوطنية المستقبلية تتطلب من متخذي القرار ما يأتي:-
- تحديد الفئات العمرية التي ينبغي التركيز عليها في مرحلة زمنية معينة.
- تحديد الموضوعات التي يجب التركيز عليها لتخدم وتوجه الواقع الفعلي لبناء تلك الإستراتيجية.
- ما هي الوسائل الملائمة لتحقي ذلك الهدف بطريقةٍ موضوعية.
- تحدي الآليات التي يتعين وضعها لإنجاز هذا المشروع الوطني لخدمة العراق وبناء مستقبله وتنمية المجتمع تنمية مستدامة.
- من جانب آخر حرصنا في ثنايا هذه الدراسة على أن نُقدم مقترحات وآراء للخروج من الأزمة –الحرب والإرهاب- من خلال التعرف على عواملها وتضميد الجراحات التي نجمت عنها، وتفعيل دور المؤسسات الحكومية والمنظمات المجتمعية الداعمة.
في المجتمعات المأزومة، حيث الحروب، والنزاعات، والكوارث الإنسانية، وحيث الكراهية وانهيار الضوابط والمنظومات الأخلاقية، وحيث البحث عن أمل في خضم ركام الانهيارات، والمشكلات الاجتماعية وفشل محاولات استعادة الوضع الطبيعي، يكون البشر في العادة حطب الأزمات، وأولى ضحاياها فهم غالباً، الجنود الذين يدفع بهم إلى ميادين الحرب والصراع الملتهبة، وهم أيضاً الذين تستغل طاقاتهم واندفاعاتهم وعواطفهم الجياشة لخوض مأساة ما بعد الحرب. فحين تضع الحروب أوزارها... وتقف دوامة العنف، ويستعيد الناس وعيهم، تبدأ معاناة أخرى للمقاتلين المشتركين في الدفاع عن الوطن، فإذا بهم يكونا ضحايا مرة أخرى لمفرزات الحرب من: الفقر والبطالة، والتهميش والإحباط وغالباً ما تتأخر المؤسسات الرسمية في الاستماع لمعاناتهم وتشخيص مشكلاتهم، ولذلك تزداد مشاعر الألم في نفوسهم. في هذه الدراسة البحثية سنتناول موضوعاً مهماً وهو بناء إستراتيجية لتحسين أحوال مجتمعنا فنحن ومنذ سنوات تراكمت آثارها في أزماتٍ متواصلةٍ يدفع شبابنا الجزء الأكبر من ثمنها قتلاً، ومرضاً، وإحباطاً، وبطالة وفقراً ، فما هو الأثر الذي يمكن لنا ان نقدمه كخطوات عمليه لتحقيق الخلاص في ذلك المسعى.
من مذكرات جندي أدمن الحرب والعسكرة... فهو يحتاج إلى تأهيل(*)... في الواقع أنَّ الحروب والصراعات كانت إحدى السمات البارزة التي أتّسمت بها حياتي العملية!!! فثمة أحداث مدفونة في ذاكرتي، وليس من السهل استحضارها... تعلمت في مرحلةٍ مُبكرة أنَّ الحرب تولّد ثقافة خاصة بها. إنَّ لظروف المعركة جاذبية ولهذه الجاذبية فترة إدمان، ذلك لأن الحرب كالعِقار المُخدَّر، وقد تجرّعتُ هذا العِقار لسنوات كثيرة. وصانعو الأساطير هم الذين يُروّجون لهذا المُخّدر سواء كانوا كُتاباً مؤرخين أو مراسلين عسكريين أو مُخرجي أفلام أو روائيين، والدولة نفسها بطبيعة الحال...كل هؤلاء يضفون على "الحرب" صفات كثيراً ما تكون في محلها، مثل: الإثارة، ظروف غير مألوفة، الشعور بالقوة، توفير الفرصة للفرد لتحسين وضعه المعيشي أو الاجتماعي. إنَّ ظروف الحرب تقيم عالماً عجيباً غريباً!! جميلاً ومظلماً في آن... فهي -الحرب- تُهيمن على الثقافة وتحتويها.. وتشوّه الذاكرة.. وتُفسد اللغة.. وتُصيب بالعدوى كل شيء تلامسه.. وتطال حتى الفكاهات فتُصيرها روايات مريضة تدور حول الموت والأحداث القذرة...
*) ) كرس هدجر، الحرب: حقيقتها وآثارها، تعريب: أيمن الارمنازي، الحوار الثقافي، ط1، لبنان، 2005.