اهتم النحويون ابتداءً من سيبويه بتحليل الأمثلة والشواهد المتعلقة بالمطابقة بين الفعل والفاعل وعدم المطابقة في التذكير والتأنيث، ووصف الثاني على نحو الحقيقة أو المجاز، كما ورد في متن البحث من عرض لبعض الآيات التي ورد فيها الاختلاف في لفظ (السموات) مثلاً أو (الملائكة) وغيرهما، ووضعوا حججاً لجواز المخالفة بين الفعل وفاعله كإطالة الكلام الفاصل بينهما، كما مثّل سيبويه بقوله: (حضرَ القاضي امرأة)، أو أن يكون الفاعل مكسوراً، كما في قوله تعالى: ((وَقَالَ نِسْوَةٌ))، أو أن يُعوّض عن تأنيث الفعل بدلالة تأنيث الفاعل بعلامة تأنيث، كما مثّلوا بقوله تعالى: ((إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ))؛ لاتصال الفاعل بعلامة التأنيث وهي (الألف والتاء).
ومما لاشك فيه أنّ الاختلاف الحاصل في قراءة القرّاء مهما كان عددهم، السّبعة منهم أو العشرة أو الأربعة عشر لم يكن عن هوًى أو رغبة من القارئ أو الرّاوي له، وإنّما اعتماد على ثقافةٍ لغويةٍ، وحافظةٍ رويةٍ، فكلّهم من الثقاة الذين يُعتدًّ بفصاحتهم، زيادة على ذلك كان منهم اللغويّ والنحويّ المعروف أمثال الكسائي وأبي عمرو بن العلاء، والعالم الفقيه، وجُلّهم من الفقهاء والرُّواة المُحدِّثين كما هو معلوم من تراجمهم.
فلهذا كان لزاماً على النحويين أن يتعرّضوا لهذه القراءات على اختلافها بالتوجيه والتعليل، وإنْ كان أغلبهم قد وقف منهم موقف الرافض لبعضها أو الطاعن لها حيناً ولقارئها حيناً اخر.
وقد أشرنا إليها بعدد من الآيات في التذكير والتأنيث، مع بيان من قرأ بها من القرّاء ، وحجج كلّ منهم واعتماده على الأخذ بظاهر اللفظ تارة، والمعنى تارة أخرى.
وظهر من البحث أيضاً من اجاز منهم القراءة بالوجهين معاً، ومن أجاز أحدهما دون الآخر مستعملاً مصطلحاً للترجيح كالأفضل والحسن ونحوهما، كما رأينا أنّ لبعض القرّاء قراءتين مختلفتين تذكيراً وتأنيثاً باختلاف أحد طريقيه في الرّواية كما ورد في قراءة عاصم ورواية حفص في الآية الأولى، أوكلاهما معاً كقراءة ابن عامر وراوييه وهشام وابن ذكوان في الآية الرابعة.