يشير قانون التطور إلى مطلق التغيير، بوصفه قانونًا عامًا، يخضع له ما في الوجود من ظواهر، ومظاهر، ووضعيات، وتنوعات، لغوية كانت أو اجتماعية، أو غيرهما، واللغة لا تشذُّ على هذا القانون، وهي بكلِّ مستوياتها عرضة له؛ ليعمل عمله فيها، فيؤدي إلى تناسل اللغة الواحدة إلى عدة تنوعات نطقية، قد يكون سببها الرئيس، هو صعوبة التواصل والتفاعل والارتباط بين أبناء اللغة الواحدة، وعدم الاختلاط الاجتماعيّ فيما بينهم؛ لأنَّ من شروط التوحد اللغويّ أن تكون اللغة التي يتحدثها أبناؤها متماسكة؛ بفعل اتخاذها وسيلة للتواصل والتعبير عن الحاجات والأغراض المشتركة بين الجماعة اللغوية.
ومن هنا نقرر من وجهة نظر سوسيولسانية أنَّ اللغة متحركة, لا جامدة ولا ساكنة, وإنَّما تتغير وتتطور دائمًا باستمرار, وإنْ كان لا يحسُّ بها كثيرٌ من الناس؛ لأنَّ التغيير الذي يصيبها يأتي على مهل، وبالتدريج، إذ يبدأ التطور عادةً بالابتداع الفرديّ, وبعد أن ينجح الابتكار، ويشيع، تلتقطه الجماعة اللغوية المعنية, وتنكب على استعماله، وبمرور الزمن يصبح هذا التغير الجديد جزءًا لا يتجزأ من اللغة الاجتماعية، وصورة أساسية منها، وهذا شأنُ كلِّ تطورٍ لغويّ.
ولما كان الصوت الأساس الأول لسلسلة التنوعات النطقية؛ اقتضت الضرورة البحث في علله الأولى للنشأة عند الكائن البشريّ، وطرائق اكتسابه عند الطفل تحت مظلة: (علم السوسيوصواتة) الذي يُعدُّ فرعًا من فروع (السوسيولسانيات)، يختصُّ بدراسة تلك الاختلافات النطقية التي يُلحظ أنَّها دالةٌ اجتماعيًا، وليست هذه الاختلافات جزءًا من اللغة الخاصة بمتكلم واحد حسب، بل إنَّها مشتركة بين مجموعات من المتكلمين، ومن ثمَّ البحث في أسباب التنوع السوسيوصواتيّ وكيفياته، لذا اقتضت طبيعة البحث تقسيمه على مبحثين، هما:
المبحث الأول/ ظاهرة اكتساب اللغة الأولى وانعكاساتها النطقية.
المبحث الثاني/ التنوعات السوسيوصواتية (مقاربة في التصنيف والمفهوم).
خُتِمَ البحث بعدد من النتائج.