لقد اجتهد النقاد القدماء في تتبّع مقوّمات الإبداع في النتاج الشعري، وسعوا نحو تأسيس معايير ثابتة ، يرجعون إليها في تقويم الن صوص الشعرية ، غير أنهم لم يوفّقوا في مساعيهم هذه، حيث حفلت الحصيلة التراثية، باختلافات كثيرة ومتباينة، في الحكم على النص الشعري الواحد([i]) . لأنهم – كما يبدو – انطلقوا في قراءتهم النقدية من الاعتقاد ، أن الإبداع الشعري لون واحد ، يمتلك هوية التشابه والتآلف([ii]) . وهم بهذا ابتعدوا كثيراً – في تقويماتهم – عن أجواء الإبداع ، التي منحت النص الشعري خصوصية التفرّد والاختلاف عن النصوص الأخرى
ولعلّ إلحاح النقاد على تقنين مفردات المنهج المعياري ، أغراهم على تفضيل فكرة اختزال مفهوم الشعر في ((لفظ موزون مقفّى يدلُّ على معنى))([iii]) . وكأنّهم يريدون القول، إن النسيج الشعري يمثل بناءً لغوياً واحداً ، من أبرز ميزاته الشكلية الوزن والقافية . غير أنهما – في الواقع – لا يمثلان صميم الممارسة الإبداعية ، التي تتطلب جهداً نقدياً يتجه نحو تأمّل آفاق لغة المجاز التأويلية ، والتمتّع بدلالاتها الاحتمالية ، وصورها المستجدة .
([i]) تجدر الاشارة إلى ضبابية التقويم النقدي في التفريق بين الشعر المطبوع والشعر المصنوع، كما لم يتفق النقاد على تسمية ما وُصف بالأبيات المسروقة ، ولا على تلك التي وقع فيها ما يسمى بالضرورة . كما يمكن أن نرى هذا الاختلاف – مثلاً – في تقويم الأبيات المشهورة :
ولما قَضَينا مِن منًى كُلَّ حاجةٍ |
|
ومَسَّحَ بالأركانِ من هُوَ ماسِحُ |
ينظر الشعر والشعراء : 1/66 ، الصناعتين : 59 ، أسرار البلاغة : 22 ، 23 ، المثل السائر : 2/69-72 ، والبيتان منسوبان إلى كثير عزة ، ينظر ديوانه : 104.