تعد بلاد الرافدين منبع الحياة على وجه الأرض ومنطلق الأنبياء ومحط نزول الملائكة ومسير الصالحين وبناة الحضارة الاقدمين ومنشاء السلالات البشرية وقاعدة الفكر الإنساني ومنها انطلقت الحضارات الأخرى على مر التاريخ وفي اصقاع البلدان التي تحمل بصمات حضارة وادي الرافدين ومن هنا سار ادم عليه السلام وبنى نوح سفينته وإبراهيم اعلن عن نبوته ورسالته فكان الدين أساس للفكر الإنساني ومهيمنا على العقل البشري بما يؤسس من قواعد دينية إضافة لما يمتلكه العقل البشري من قواعد عقلية فامتزجت تلك النفوس في وادي الرافدين بهذين المسارين الديني والعقلي مضافا لما يمتلكه من خزين اجتماعي فكان البناء الإنساني في المجتمع الشرقي ممتلئ بالتوجه الديني والنزعة نحو الفطرة السليمة التي لا تنفك عن عرى التوحيد ولا تبتعد عن منبع النبوة ولا تختلف عن مراد الدين في توجيه الفرد نحو السلوك الإنساني الصحيح لبناء امة متعلمة ومجتمع صالح ولهذا اثر الفكر الديني سواء الديانات التي سبقت اليهودية او بعدها كالمسيحية او الإسلام على أبناء الرافدين لذا نجد الصوامع والكنائس والمساجد والحسينيات تتواجد بكثرة في بلاد وادي الرافدين مما يعطي فكرة عن ميول أبناء الشعب الى الفكر الديني وتأثره بالدين اكثر من أي شي اخر، مما يعطي فهما واضحا من وجود مقاربة بين منابع التأصيل الديني والقيادة الدينية في العراق بما لها من تأثير على العراق وعلى العالم العربي والإسلامي، ومن هنا سوف ندرس مدى تأثير الفكر الديني على أبناء الشعب العراقي بالاتجاهين الايجابي والسلبي أي نأخذ نموذجين للفكر الإسلامي ونقراء مقدار تأثر المجتمع فيه وماهي الأسباب التي أدت الى تأثر مجموعة بهذا الفكر وعدم تأثر مجموعة أخرى بذاك الفكر، ولهذا تعد المؤسسة الدينية القاعدة الرصينة ذات التأثير الأقوى في المجتمعات الإسلامية، ولها مكانة مهمة في نفوس المسلمين عامة وفي العراق موضوع الدراسة بشكل خاص، والتي تتمثل في المرجعيات الدينية والحوزات العلمية والمؤسسات الدينية، ومن هنا نجد ان دور المؤسسة الدينية هو بمثابة دور القائد بالنسبة لجماهير الامة الإسلامية والتي يجب ان تأخذ دورها وفقا لما رسمته لها الشريعة الإسلامية، وتضرب هذه المؤسسة جذورها الى مئات السنين والتي تعد الرافد الديني والضامن الرئيس لتصحيح عبادات المسلمين ، والركون اليها يعد اطمئنان لأعمال الانسان ، وهي تمثل صميم العقيدة الإسلامية عند جميع المسلمين بما يعطي افقا واسعا لسعة المنظومة الفكرية الإسلامية في احتواء مناحي الحياة العملية الهادفة لجعل المسلمين في الدائرة الصحيحة بعيدا عن الأخطاء، واليوم تمثل المؤسسات الدينية مركزا للفتوى ونشر الإسلام سواء من المرجعيات الشيعية او المرجعيات السنية، وما أوصلنا إلى نقطة الصدام هي تلك الأمراض التي تعاني منها ثقافتنا الدينية والتعبئة الخاطئة من قبل الجماعات الإسلامية للجمهور على امتداد السنين من ثقافة التكفير والتشكيك التي تنشر في أجهزة التواصل وقنوات التلفاز واستغلال البعض لخطب الجمعة، فنجد انقساماتنا للأسف ليست دينية ومذهبية فحسب، بل وقبلية وسياسية وغير ذلك، وهذا لا يعود لسبب الخطاب ونوعه فحسب او بسبب المؤسسة الدينية ، ولكن هناك سبب اخر اقوى وهو التدخلات الخارجية والمصالح الدولية التي اشعلت فتيل هذه المسالة، ومن هنا فان الخطاب الديني لا ينبغي ان يكون تقليدياً وانما يجب ان يكون خطاباً مواكباً لكل التطورات المتجددة والمتطورة التي تؤثر بالأفراد .