تسعى هذه المقالة إلى تأسيس فلسفة عربيّة جديدة هي فلسفة المثنّى. ليس الهدف نحويّاً. فالدراسات النحويّة الخاصّة بالمثنّى كثيرة. بل هو فلسفي بحت يبدأ بتحديد هذه الفلسفة على أنّها تعيد النظر في الأصل، فتنقُله من المُفرد إلى المثنّى. هذه النقلة النوعيّة الجديدة، والتي لا يمكن حصولها إلّا في لغةٍ تقيم وتتبنّى المثنّى، أي اللغة العربيّة، تعطي الفكر الفلسفي انطلاقة مميَّزَة تفتح أبواباً عدّة، بعضها غير متوقَّع. فيتبيّن عندها أنّ المفرد والجمع يعودان إلى المثنّى. كذلك الزمان والمكان – والفارق والبُعد معهما – حيث لا يعلو أحدهما على الآخَر ولا ينفصلان. كما ويظهر المثنّى على أنّه إمكان الانفتاح على الآخَر. يظهر المثنّى أيضاً، من خلال التقسيم المتتابع الذي يتطلّبه، على أنّه يقود إلى عَهد يقوم فيه الإنسان في الزمان والمكان، لكي ينفتح على عهدٍ آخَر وعلى الآخَر عامّة في كلّ ما يحدّده ويحدّد انتماءاته المتنوّعة المتغايرة. ويظهر الإنسان نفسه، في صلب وجوده وتعرّفه على نفسه، كمثنّى، ويتأتّى عن ذلك تركيبة جديدة لتصّور الموت – الموت كوجود-نحو-الموت وكوجود-بعد-الموت، بل وموت في الحياة وما-بعد-الحياة هاهنا، مع ما يرافق ذلك من قلق وسرّ والحنين. ومع فلسفة المثنّى نتجاوز الأرخيّة، كما نبيّن ذلك من خلال تطبيق منهجها الجديد على فلسفة كانط، وبالتحديد على مقولات ملكة الفاهمة. تظهر عندها قدرة فلسفة المثنّى على استيعاب وتوضيح الفلسفات التي تدخل في كنفها. تنتهي المقالة مع دعوة إلى التوسّع بهذه الفلسفة، وتعد بدراساتٍ آتية تتناول جوانبها المختلفة.