يشكل الخطاب الشعري القديم تراثا ضخما يفخر العرب به وبكل ما فيه ، لكونه يكشف لا شك عن نبوغهم وتفردهم بالادبية الفذة التي عزّ نظيرها بين الامم آنذاك . من جهة اخرى شكّل هذا الخطاب وعيا جمعيا لدى الأمة تمحور في اتجاهين سياسي واخر عقدي. إنّ أول من هله ل الشعر وجعله قصيد هو عديّ بن ربيعة التغلبيّ )ت 49 ق.ه / 131م(، ولذا سُمّي المهلهل، ولعل أشهر ما قيل على لسان هذا الشاعر مرثيته الثأرية التي يقول فيها:
يال بكرٍ انشروا لي كليبًا .... يال بكرٍ أين أين الفرارُ
يال بكرٍ فاظعُنُوا أو فحِلُّوا .... صرَّح الشَّرُّ وبان السِّرارُ
وذلك في الحرب البتراء الضروس، المسماة بحرب البسوس، التي خلّفت أعواما من القتل والدمار، حتى صارت من الأساطير المؤلمة في حياة العرب. والذي جعلها أسطورة مؤلمة، هو السبب في نشوب هذه الحرب البدويّة بكل ما تعنيه كلمة البداوة. النفس لا تطمئن لما نسمعه ونقرأه عن هذه الحرب التي دامت أربعين عاما، فثمَّة ما يربك العقل ويجعله في حيرة للسبب الذي يقف وراء هذه الحرب من جهة، وما نسمعه ونقرأه أيضا عن الصفة التي انمازت بها العرب من سائر الأمم، وأعني بها صفة التسامح، من جهة أخرى