إرتبط الحجاب في المجتمع بالمقدس الديني وبالعرف الاجتماعي، فهو شكلانية للمظهر الأنثوي وتلبيس له بالطهارة والعفة والحياء، وفي الوقت ذاته إلزام للمرأة بنمط سلوكي أخلاقي يرتّب علاقتها بالفضاء الذكوري.
فبالقدر الذي يُرتهن الحجاب لسلطوية الفحولة في المجتمعات المحافظة إلا أن سطوته على المرأة تتراجع بسبب المحمول الذي تموضعه عن الحجاب كلباس يساير تعقيد الحياة اليومية ومتطلباتها.
إن قراءة المرأة لسياقها العام (الدراسة، العمل، التسوق، ....) وما يستوجبه من نمط لباسي، تعطي لها موارد رمزية مفاوضاتية وصدامية في آن واحد كي يخترن بحرية مظهرا يلبي حاجياتها التعبيرية عن هويتيها الجندرية، غير أن صداميتها مع المجتمع المتمسك بأعرافه وتقاليده (الخاصة بالنساء) أفرز نوعا نسويا منقادا للإلزامات الذكورية حولهن.
إن التعاطي المتناقض للمرأة مع العالم الاجتماعي هو من أنتج تعدد وتمايز أشكال الحجاب، وهو الذي مدّد حضوره في سياقات الحياة العامة وربطه بشكل مطرد بالهوية الإسلامية للمرأة المرتبطة بالتنشئة الاجتماعية المقاومة للثقافة الغربية وأيضا بالحركات السياسية الدينية.
عطفا على ما سبق يسعى الباحثون إلى تقديم قراءة موضوعية للفهوم التي تشكلها عينة من ثلاثين طالبة جامعية جزائرية عن الحجاب، وباستخدام المنهج الكيفي لتحليل المقابلات نصف الموجهة، تتكشف التأثيرات الاجتماعية والثقافية التي تبني صورة نساء يُعرّفن عن هويتهن الجندرية المستقلة بعلاقات عقلانية مع إكراهات السياق الاجتماعي. إن علاقة النساء بالحجاب تمد القارئ بالصورة الملتبسة عندهن، حيث تغيب المعرفة الدينية عندهن عن الحجاب ومقاصده، ما يُفرغه من حمولته الإيديولوجية، وينخرط بالتالي في موجة تطبيع مع التحول الذي يفرضه السوق الاجتماعي ليصير سلعة تعيد ترتيب الحجاب كقيمة استهلاكية متعدد الاستخدامات ومعقدة الفهوم عند نساء متمايزات من حيث البنية والتعقيد