لطالما اكتنف اليابان غموضاً في سياق معتقداته ومرجعياته الدينية، إذ يحاول هذا البحث الوقوف على أبرز نتاجات الثقافة اليابانية، إنه دين اليابان الأول (الشنتوية). ولطالما عرفت الشنتوية بأنها عبادة الطبيعة، فهو دين متأثر بتقلبات الواقع البيئي، من زلازل وفيضانات وعواصف، ولغرض الحماية من هذا الواقع المعاش يحاول اليابانيون تقديس آلهة متعددة يتم تسميتها (كامي)، تختص كل واحدة منها بواقع بيئي/طبيعي تؤسس عبادته لطلب رضاه وعدم غضبه وبالتالي النجاة من الكوارث.
وهذا ينسحب على مجموعة كبيرة من الحاجات الانسانية، ليست وحدها الكوارث الطبيعية التي يحاول النجاة منها، لكنه يحاول أيضاً النجاح في العمل والنجاح في الدراسة، والحصول على شريك حياة، وغيرها من الحاجات الانسانية، لهذا يؤدي الفرد الياباني مجموعة من الممارسات والطقوس الدينية.
والتاريخ التأسيسي للشنتوية شهد بزوغ كتابين مقدسين للشنتوية، الأول (كوجيكي) والثاني (نيهونجي)، وتم كتابة هذين الكتابين بدوافع مختلفة، منها سياسية ومنها اجتماعية مرتبطة بالمعتقد، تم ذلك برعاية امبراطورية، ليتم تدوين أسطورة الخلق اليابانية، إنها حكاية تؤول الزمن البدئي، وتصف أسلوب ولادة الآلهة وطريقة خلق وحكم الجزر اليابانية، لتربط السلالات الإلهية بايولوجياً بالشعب الياباني.
لكن أبرز السلالات تبقى هي سلالة (أماتيراسو) إلهة الشمس، من نسلها بزغت سلالة الأباطرة اليابانية، فكان ذلك سبباً في هيمنة العديد من الأباطرة على حكم الياباني، كان أبرزهم وأكثرهم شهرة (ميجي)، الذي حكم اليابان بقبضة من حديد، وأصبح كوجيكي كتاباً مهماً في عهده يتم ترسيخه في المدارس اليابانية، حتى غدا الامبراطور إلهة يتم تبجيله.
لكن ذلك انتهى تماماً بعد استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية على اليابان إبعاد الدين عن المؤسسات الحكومية، وعدم تدريس كوجيكي في المدارس، وإعطاء الحرية المطلقة للشعب الياباني في تبني الدين المناسب لهم، ليكون ذلك بمثابة انفكاك الأسير من الأسر بالنسبة للبوذية والمسيحية.
أبقى ذلك الشنتوية بلا رعاية حكومية، فقد أصبحت مثلها مثل الشركات الخاصة، تقوم بتمويل نفسها عبر بيع الصلوات واتسحصال الأموال من الناس للمشاركة في الطقوس الدينية، كما أنها تجني أموالاً طائلة من بيع التمائم والهدايا التذكارية، فضلاً عن تنظيم حفلات الزواج التي يقودها رهبان متخصصون.