العرفان: علم ذهني ينبثق من النظرية المعرفية، وهو مرتبط بالدَّماغ والذهن، والعمليات العقليَّة، وينظر إلى اللغة على أنَّها ظاهرة ذهنيَّة، ويجمع في طيَّاته علومًا منوعة ومتداخلة فيما بينها، التي لا يمكن الفصل بينها؛ لارتباطها بالذهن، وهو علم يهتم باللغة من منظور ذهني.
وإن اللغة عند أصحاب التوجه العرفاني لا تعد كائنًا مستقلًّا يجب دراسته بمعزل عمَّا حوله، وإنَّما هي موصولة بما يدور في الذهن والإدراك. ونتيجة لذلك يمكن أن ينظر إلى دلالة المفردة القرآنية من وجه آخر غير الذي يدلُّ عليه السياق اللغوي، وإنّما تكون ناتجة من الذهن والعقل، ومرتبطة بالقصد والمقام.
وقد استعمل بعض المفسرين علم العرفان في تفسير القرآن، والذي يطلق عليه بالتفسير الإشاري، الذي يعنى بتأويل القرآن الكريم بغير ظاهره؛ لإشارة خفيَّة تظهر لأرباب السلوك والتصوُّف، ويمكن الجمع بينها وبين الظاهر المراد أيضًا. ويذهب هؤلاء المفسرون إلى أنَّ النصوص على ظواهرها، ومع ذلك ففيها إشارات خفيَّة إلى دقائق تنكشف لأرباب السلوك، يمكن التوفيق بينها وبين الظواهر المرادة، فهو من كمال الإيمان، ومحض العرفان. ومن هنا يعلم الفرق بين التفسير الإشاري، وبين تفسير الباطنيَّة الملاحدة. فالمنهج العرفاني لا يمنع إرادة المعنى الظاهر؛ بل يحض عليه، ويقولون: لا بدَّ منه أوَّلًا. وأمَّا الباطنيَّة فعندهم المعنى الظاهر غير مراد أصلًا، وإنَّما المراد الباطن.