Preferred Language
Articles
/
aladabj-484
موقف الوجودية المؤمنة من الله
...Show More Authors

مما لاشك فيه  بانه لا يوجد شعب على الارض ليس  له ثمة عبادة معينة يقوم بها ،لان فكرة الاله هي من اكثر الافكار مصاحبة للتفكير الانساني ، لان الدين يعد في وعي وحركة الانسان احد اهم العوامل التي تسهم في ارساء الانظمة الاجتماعية وسيرورة الثقافة فهو من جهة يقدم نموذجا معرفيا لادراك الوجود وتفسير العالم ومن جهة اخرى يحدد القواعد ومناهج السلوك التي تؤطر مختلف العلاقات الانسانية، وقد سبقت الاساطير واشكال العبادات الوثنية والاديان الطبيعية في الحضارات القديمة التفكير الفلسفي الجدي حول البحث عن معنى الالوهية وحتى بعد ارتقاء الانسانية وظهور الاديان السماوية ، وبعد ان تطورت الى مظاهر الحضارة الالية ، وبعد عقلنة الاسطورة وعلمنة المقدس وانسنة المفارق ، فان النزوع نحو المطلق لدى الانسان لم يكف عن البحث والتفكير بوجود كائن يتجاوزه قدرة وقيمة ، وانه قد يكون سببا لوجوده ، وموجها لقدره، هذه الفكرة قد شغلت الانسانية في مختلف درجات وعيها وحضارتها بالبحث عن مبرر لوجودها وكانت مشكلة الالوهية هي من اكثر الموضوعات مصدرا للقلق والتفكير والحل بنفس الوقت لانه بالوعي لما انا موجود ؟ والتسال حول معنى الوجود وعدمه ، هذه التساولات مرتبطة بمشكلة وجود متعالي على الانسان يرتبط به مصيره وحريته ؟ خصوصا اذا ما عرفنا ان ما يميز الفلسفة المعاصرة هو التمركز حول الانسان بعد ان انطلقت من النقد المضاد للالوهية عند الهيغلين الشباب في القرن التاسع عشر للتخلص من سيطرة الكنيسة ورجال الدين و نقل المركزية اللاهوتية الى المركزية الانسانية وتحول الاهتمام من الله الى الانسان بعد اعلان نيتشة "ان الاله قد مات" مبشرا بالانسان الاعلى ، فهل ان الانسان  فعلا قادر للتعويض بدل الاله ؟ وهل ان الاله هو الذي ابتعد عن الانسان ؟ ام ان الانسان هو الذي ابتعد عن الاله؟  خصوصا اذا ما عرفنا ان الانسان لا يصادف بعد موت الاله سوى الفراغ والشك والعدم ، وهل ان موت الانسان كان هو النتيجة الحتمية لموت الاله؟ بعد هذه التساؤلات الفلسفية البعيدة عن التصور الديني والذي سنضعه بين قوسين لاننا سنتطرق للموضوع فلسفيا من قبل فلاسفة الوجودية المؤمنة الذين حاولوا الوصول الى طريق فكرة الاله الحقيقة باعتباره الحضن الامن للانسان من الزاوية الوجودية . ظهر الفكر الوجودي نتيجة عصر النهضة ومشاكله، فمشاكل الانسان بدات يوما بعد يوم تزداد، بسبب زيادة المتطلبات التي يحتاجها الانسان واصبحت ضرورية  لامتلاكها، كما ان التطور العلمي والمعرفي سهلت التخلص من القيود الاخلاقية  والدينية فعلى الرغم من زيادة معرفة الانسان بالطبيعة والكون المحيط  به، الا ان استقراره الداخلي قد اهتز بسبب اهتزاز القيم والقواعد والبديهيات الفكرية والدينية التي كان الانسان يظن انها ابدية غير قابلة للجدال او التغير. هذا القلق تراه على اوجه الجميع ، لانهم فقدوا البوصلة او المعيار في هذه الحياة ، فبحسب كيركجارد أن عدم معقولية الحياة تملأ نفس الإنسان بالقلق واليأس وإن الإيمان المطلق بالله، هو الشيء الوحيد الذي يمكننا من التغلب على عدم معقولية الحياة ومن السيطرة على القلق واليأس والوحدة في هذا العالم الغريب ، نجد هنا بان كيركجارد يخالف مقولة هيجل بأن الحقيقي عقلاني، والعقلاني حقيقي،  أي في مساواته للوجود بالفكر، لكن كيركجارد يقول، بأن الأفكار لا تساوي الوجود، فمن المستحيل أن نعي الوجود كفكر. وبالتالي لماذا لا يساوي اصحاب الوجودية المومنة الوجود بالفكر؟ هل لان الوجودي اذا كان يتحدث عن الله فهو لا يتحدث عنه على اساس برهان عقلي يثبت وجوده ، بل نتيجة للتفكير في معنى الوجود الانساني عندما يستكشف هذا الوجود ، هل ان الله موجود بالارادة التي تجعلني موجودا ، وهذا يعني ان الله لايكون في محتوى لمعادلة من المعادلات او قانون من القوانين ، بل يجعل منه حضورا للوجود ؟ وبالتالي هل  الايمان يكون اخلاصا لشخص اكثر منه تاييد لصيغة اعتقادية ؟ وهل نحن اليوم بحاجة الى العودة للتطرق لاشكالية الفكر المتعلقة بالمتعالي والمحايث؟ ووفق أي منظور؟ وما هو السبيل ؟  هل ان المنحى الفلسفي كفيل بالالمام بهذه الاشكالية الوجودية ؟ ام هي التجربة الحية التي تقدم للمرء شتى المعاني الالهية من خلال مختلف الحالات المتناقضة التي يعانيها بوجدان متوتر ووعي متنبه لظواهر الوجود ومعاني الانسان واحداث مصيره باعتبار مبدا الالوهية مبدا ثابت يفسر وجودنا وسلوكنا وحريتنا وانه لا وجود حقيقي الا بوجوده ؟ هذه التساؤلات ستكون هي فرضية بحثنا الذي يتكون من ثلاث مباحث :

الاول سيكون عن مشكلة الالوهية فلسفيا ووجوديا اما الثاني يدور حول فلسفة كيركجارد عن مفهوم الله وعلاقة الدين بالحياة الحضارية للإنسان المعاصر وبموقفه الوجودي اما الثالث سنتطرق فيه الى مفهوم الله عند جبريل مارسيل وكارل ياسبرز، وأنماط القلق الوجودي الذي يهدد الإنسان وكيف يستوعبها القرار الديني والإيماني بحسب وجهة الوجودية المؤمنة ثم ينتهي بالخاتمة وقائمة المصادر .

View Publication Preview PDF
Quick Preview PDF