لأدب الرحلات علاقة وطيدة في إثراء التواصل الحضاري وذلك عن طريق ما نقله الرحالة من علوم وأخبار وسمات وغيرها مما شاهدوه وعرفوه أثناء رحلاتهم، حيث انطوت مؤلفاتهم ومدوناتهم على الكثير من الملامح الجغرافية وملامح المجتمعات والشعوب، فركزت الدراسة على هذه السمات والشواهد والتي ساهمت بدورها في إذكاء التواصل الحضاري بين المسلمين بعضهم مع بعض ومع الآخر من الشعوب والبلدان التي مر بها الرحالة المسلمون. فبسبب اتساع رقعة الدولة بعد الفتوح الإسلامية، جال الرحالة بالبلاد التي خضعت لهم وأصبحت جزءاً من دولتهم وتوغلوا بعقولهم في مختلف الأقطار متأملين وباحثين ولبسوا لكل مكان وزمان لبوسه، ودونوا لها الدواوين وعبدوا إليها الطرق ونظموا لها البريد. واعتبر وصف الأقاليم والعناية بها جزء من أخبار الفتوح والمغازي، ولقد ساهمت عدة عوامل في رواج أدب الرحلة على مر العصور الإسلامية، منها الدوافع الدينية كرحلات الحج والعمرة، والفتوحات الإسلامية، أو الدوافع العلمية أو التعليمية بهدف الاستزادة من العلم في بقعة أخرى من العالم ذات صيت في مختلف العلوم كالفقه والطب والهندسة وغيرها، أما الدوافع السياسية فهي كالوفود والسفارات التي يبعث بها الملوك والحكام إلى نظرائهم في الدول الأخرى لتوطيد العلاقات والصلات وخلافه، كما أن هناك دوافع سياحية وثقافية وهي الرغبة في الطواف حول العالم والكرة الأرضية والسفر لذاته وحب التنقل، بالإضافة إلى الرحلة من أجل التجارة التي اتسع نطاقها عند المسلمين في العصور الوسطى. وقدم الرحالة وصفاً للشعوب وعاداتها وتقاليدها وأخلاقها وأزيائها وملابسها.

وخلصت الدراسة إلى أن الرحالة المسلمين كانوا على معرفة عميقة بطرائق حياة الشعوب التي زاروها الاجتماعية والدينية والثقافية وغيرها، مما أتاح لهم القدرة على التعامل مع الآخر والانفتاح عليه، من خلال الحوارات والنقاشات والمجالس العلمية التي شاركوا فيها، وقد أدى ذلك إلى تعميق التواصل الحضاري ما بين الرحالة المسلمين والآخرين.