برزت ظاهرة الاستبداليّة في الدّرس اللسانيّ الحديث في مجالين: الأول في باب التّوزيعيّة (البنيويّة)، والثاني في باب الاستبدال ودوره في الترابط النّصّيّ (نحو النّصّ)، وثمّة دراسات كثيرة تحدّثت عن هذه الظّاهرة من منظور اللسانيات الحديثة، وتوجد دراسات تناولت بعض مظاهر الاستبداليّة في النّحو العربيّ التّراثيّ. وثمّة موضوعات في اللغة العربيّة تندرج تحت باب الاستبداليّة تحتاج إلى مزيد بحث وتمحيص؛ للكشف عن وعي علمائنا القدامى بالمظاهر الاستبداليّة في التّراكيب اللغويّة، وبيان دورهم في توظيف الاستبداليّة في توجيه الاستعمالات اللغويّة وتحليل البنى التركيبيّة.
في هذا البحث محاولة لبيان أصالة هذه الظّاهرة في النّحو التّراثيّ بمصطلحات كثيرة، نحو: "وقع موقع"، و"يقوم مقام"، و"وضع موضع"، و"حلّ محلّ"، و"سَدّ مسدّ"، و"استغنى بغيره"، و"ناب منابَ"، و"جرى مجرى" وغير ذلك، والكشف عن مظاهر الظّاهرة في الفكر النّحويّ العربيّ، على الرغم من كون الاستبداليّة في ثوبها الطريف ظاهرة لسانيّة حديثة.
يسعى البحث إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية، وهي: هل الاستبداليّة ظاهرة لسانيّة حديثة أم ظاهرة تراثيّة؟ وما المصطلحات التي تندرج ضمن الاستبداليّة في النّحو العربيّ وتدلّ عليها؟ وما مدى شيوعها في الدراسات اللغويّة القديمة؟
اتّخذ البحث من المنهج الوصفي أداة من خلال رصد مظاهر الاستبداليّة ومصطلحاتها في النّحو العربيّ، وتصنيفها وتحليلها للوصول إلى إجابات أسئلة البحث، وتحقيق غايات الدّراسة وسيكون للمنهج الإحصائي حضورٌ في منهجية الدّراسة ضمن حدود أهداف البحث.