فإن علم الفلسفة من أمهات العلوم العقلية ، بل أقواها برهانا وأعلاها منزلة وأشرفها غاية ، فإنه متكفل لمعرفة الحق عز وجل وصفاته العليا وأسمائه الحسنى ، ولهذا صرف كثير من المحققين هممهم في تحصيله وتحقيقه ، وألفوا مؤلفات قيمة . والعلامة الكبير والفيلسوف الخبير السيد محمد حسين الطباطبائي (رحمه الله) من أولئك المحققين ، فإنه بذل جهده في تحصيل الفلسفة وتحقيق المعارف الإلهية ، فألف كتبا قيمة وآثارا نفيسة . ومنها كتاب " بداية الحكمة " في الحكمة المتعالية ، الذي ألفه في نهاية من الدقة والإتقان وحسن الأسلوب وقوة البيان ، متجنبا عن الإطناب الممل والإيجاز المخل . وابدع في تقرير برهان الصديقين بوجه رائع والذي يعد من أشرف البراهين الفلسفية التي اعتمد عليه أعاظم الحكماء نظراء ابن سينا والمحقّق الطوسي وصدر المتألهين . وانتقد العلامة الطباطبائي من سبقه من العلماء في تقرير برهان الصديقيّن ، بان برهانهم لا يعتمد في إثبات الواجب على شيء وراء الوجود فإدخال الدور والتسلسل في بيان البرهان يضادّ ذلك البرهان ثمّ بيّن طريقته في إثبات اللَّه سبحانه من دون أن يعتمد في إثباته على وسائط . وقد شحذ ذلك البيان عقول الحكماء فصاروا إلى بيان برهان الصديقين ببيان لائق لمقامهم ، وهو الاستغناء في إثباته سبحانه عن الاعتماد على غيره ، أو شيء من خلقه وفعله .