في عالم تتصارع فيه الحضاراتُ الكبرى على قمة واحدة، لهرم واحد، تتقدم الحضارةُ الغربية، وفي الطليعة منها الأمريكيةُ ببناها الثقافية الأنجلوسكسونية البروتستانتية، بخطى حثيثة، نحو غلبة نهائية ترجوها في سباق السيطرة، والاستحواذ، ساعيةً لتحقيق ذلك بالتفوق العسكريّ، والسياسيّ، والاقتصاديّ، وبمحاولة السيطرة المطلقة على منابع الطاقة في العالم. وفي خضم الأحداث المتسارعة التي تعصف بالجنس البشري، ونزاعاته المتكاثرة، ثمة هدف مرعب، وخطير من أهداف الحضارة الأمريكية، قد يبدو مذهلاً في مديات غرابته الفلسفية، والعلميّة على حد سواء، يتغافل عنه كثير من سكان العالم، يتجلى بإعادة تشكيل الوجود الحيويّ (البيولوجيّ) للإنسان، أو تحويل الإنسان إلى كائن حيوي آخر، أو مزيج غرائبي مصنوع من الآلات الذكية وما يتبقى من التشكيل العضوي البشري.
لا تُظهر المؤسسةُ السياسية الأمريكية الرسمية العنايةَ بهذا الهدف، ولا تدّعي لنفسها أيةَ آصرة به، لكن (مؤسسات الظل)؛ العلمية، والثقافية، غير الرسمية، تعمل بإصرار منقطع النظير على العناية بشأنه منذ عشرات السنين، طامحةً إلى بلوغ القدرة الفائقة التي تُمكِّنها من نقل البشرية بـ(الانتخاب الصناعي) من (مرحلة الإنسان) إلى (مرحلة ما بعد الإنسان)، كما نُقلت بـ(الانتخاب الطبيعيّ)، حسب المنظور الداروينيّ، من (مرحلة القردة العليا) إلى (مرحلة الإنسان)، وبذلك يتحقق الحلم النيتشوي في الوصول إلى (الإنسان الأسمى).
تستثمر (مؤسسات الظل) الأمريكية ثلاث أدوات فائقة القوة، والتأثير لإنجاز المهمة، وهي: الفلسفةُ اللسانية الأنثروبولوجية البروتستانتية، والهندسةُ الوراثية، والذكاءُ الصناعي. ومن بين منتجات هذه الثلاثية الخطيرة؛ تنبثق (السرديّات السينمائيّة الأسطوريّة الهوليوديّة)، بوصفها نشاطاً فنيًّا فاعلاً في طريقة إعادة تشكيل الوعي البشريّ بحقيقة هذا العالم كما تراها، ومآلاته المستقبليّة.
هدف هذه الدراسة الكشف -بمنظور لسانيّ أنثروبولوجيّ استشرافيّ-عن هذه الكارثة البنيويّة المرتقب إحلالها بالجنس البشريّ.