إنّ علاقة النصّ بالرسومِ علاقة قديمةٌ جدًا، امْتَدَّت عُمق جذورِها على مرِّ العُصورِ بتنوّعِ خصائصِها وأساليبِ فنّانيها على اختلافِ أدواتِهِم، حيثُ اتّخذَتْ شعوبٌ وحضارات مُختلفة الرَّسمَ أسلوباً للتعبيرِ عن أفكارِها، وحياتِها، وإنجازاتِها، ومُعتقداتِها، بل حتى رحلتِها بعدَ الموت. وقد استثمرَ كتّابُ قصصِ الأطفال هذهِ العلاقة في تأليفِهم لكُتُبِ الأطفالِ وصناعَتِها مع بداية عَصْرِ الطباعة وصولاً إلى العصرِ الحديث؛ إذْ ظهرَ التفاعلُ بينَ النصّ اللُّغوي والخطابِ البصريّ في كُتبهم على أنماطٍ مُختلفةٍ ومُتباينة؛ فمِنَ الكُتب ما اتَبعَ أسلوباً تحكي فيه الرسومُ والكلمات القصة ذاتَها، وذلك بتَرْجمةِ ما يُقدّمُهُ النص من أوصافٍ وألوانٍ وأشكال ترْجَمَةً بصريّة من خلال الرسوم المنفّذة. ومنه ما جاء التفاعلُ فيه على هيئةٍ تَعملُ فيه الرسومُ على تضخيمِ معاني الكلماتِ، بإعطائِها بُعداً فنياً أو فلسفياً، أو شعوراً أو انطِباعاً أو إحالةً لفكرةٍ ما. كما ظهرَ في بعضِ الكُتبِ التفاعلُ المتناقُض، وهو الذي يبدو فيه التناقضُ بين الكلماتِ والرسوم؛ فلا تمثّلُ الرسومُ الكلماتِ ولا العكس كذلك، وهو غموضٌ يشكِّلُ تحدياً لدى المُتَلقّي في إدراكِ صلةِ الكلماتِ بالرسومِ والعكس. وتسعى هذه الدراسة إلى الكشفِ عن هذهِ الأشكالِ المختلفةِ من العلاقة، عبر تقديمِ نظرةٍ تاريخيّةٍ على تطوّر إنتاجِ كتبِ الأطفالِ منذُ العصورِ القديمةِ وحتى العصرِ الحديث، بالإضافة إلى بيانِ أنماط ذلك التفاعلِ وأشكالهِ بالتطبيق على نماذج مختلفة، متوسّلة في ذلك المنهجَ الوصفيّ التحليلي.