هذه دراسة في قضية من قضايا متن اللغة، وهي تَشَكُّل الأنماط اللغوية وتناسقها بفعل الإيقاع والتناسب الصوتي، ولدى النظر فيما توافر من أمثلة وشواهد تبين أن آثاره تبدو جليّة في المستويات اللغوية الصوتية، والصرفية، والنحوية، والدّلالية، وله دورٌ بارز في العدول من نمط لغوي إلى آخر، وتبين أيضا أن التناسب الصوتي الذي احتكمت إليه الدراسة يجيء وفق ما تتيحه سماحة العربية ويوافق نظامها حينًا، ويخالفه أحيانا، وهو بذلك خلاف التناسب الجبريّ الذي يقتضي تبدلا أو حذفا أو عدولا كما هو معروف في الفكر اللغوي بقضايا الإبدال والإعلال. أما عن الآلية التي يعمل بها الإيقاع فيمكن حصرها في اتجاهين:
الأول: يمثّل الاستعمال فيه انزياحا عن الأنماط القياسية باستثمار قوانين اللغة أحسن استثمار، كقوانين المماثلة والمخالفة والإدغام (الذي يعد مظهرا من مظاهر المماثلة) والنبر.
الثاني: يمثّل الاستعمال فيه خرقا للقاعدة القياسية وانزياحا عنها إلى نمط آخر دون مسوّغ لغوي، الّلهم إلا قانون الإيقاع نفسه إنْ صحت تسميته قانونا.
وعصارة الاتجاهين كليهما مجموعةٌ من الأشكال اللغوية تمثّل إلى جانب الأنماط القياسية رصيدا لغويا على مستوى المفردات أو التراكيب، فاللغة مستويات. اعتمدت الدراسة المنهج التحليلي للنصوص: إذ اتكأت على آليات وأدوات علم اللسانيات الحديث ولا سيما في المستوى الصوتي ليتسنى لها الوصول إلى نتائج قطعية لا ظنية من اهمها:
- من العسير الفصل بين المستوى الصوتي والمستوى الصرفي؛ لإنّ المستوى الصرفي في اللغة ذو علاقة وثيقة بالأصوات وقوانينها، فللقوانين الصوتية الدور الأكبر في تشكّل الكلمة العربية وبِنيتها؛ لذا آثرت الدراسة أن يُدرس المستويان معا، ليتبيّن أثر الإيقاع فيهما.
- - إن للنبر دورا كبير في تحول حرف العلّة الواو إلى الهمزة استجابة للإيقاع.
- الحق قد ان يتجاوز عن القاعدة النحوية القياسية، أو يتجاوز عنها مراعاة للتناسب الصوتي، ويمكن النظر إلى هذه المسألة من جهة أن دور العلامة الإعرابية يتوارى إلى الظل أمام النمط الإيقاعي التأثيري، ما دام المعنى مستقرا في الذهن في كلا الحالين.
- إن الانصياع لإيقاع، والانسجام الصوتي في اللهجات العامية أظهر منه في المستوى الفصيح، ومن ذلك: (يا غريب كن أديباً).