تنوعت جهود علمائنا الأوائل في خدمة علوم العربية، فخلفوا لنا تراثًا ثمينًا من المؤلفات المطوّلة والمختصرة، خطّه الأقدمون، وأفنوا أعمارهم في جمع مادته، وتنوعت عنايتهم به، بحسبها سبيل عصمة اللّسان من الخطأ واللّحن في كتاب الله عزّ وجل قراءةً وإقراءً وسنة نبيه الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فمن ناظم مختصر ميسّر لطلاب العلم، ومن جامع للعلم على شكل متون ومختصرات ارشادًا للمبتدئ، ومن شارح مُجل للعبارة ودقائق التراكيب إلى غير ذلك من التأليف النّحويّ، فتنشأ لدينا خليّة مليئة بالشّهد بحسب ذائقة كل واحد منا، وما يحتاج إليه.
ولخدمة القرآن الكريم نظَّمت علوم كثيرة منها علوم العربية التي نهض بها مسلمون من العرب وغيرهم، وكان الخليل بن أحمد الفراهيدي (ت170هـ) وتلميذه سيبويه(ت180هـ)، ثم جاء بعدهما علماء يصنّفون على مدى القرون اللاحقة، وقد كان القرن السّابع الهجري يتّسم من ناحية التأليف بانتشار الكتب النحوية، وكان كتاب الكّافية في النحو لابن الحاجب(ت646هـ) واحدًا من الكتب النّحوية التي ألفت في القرن السّابع، وقد لقى اهتمامًا من العلماء فتناولوه بالشرح والبيان، ووضع المختصرات والمنظومات لهذا الكتاب، وكان كتاب شرح الكافية لشهاب الدّين الدّولت آبادي الهندي الزوالي(ت849هـ)، أحد شروح الكافية الذي لاقى اهتمامًا من العلماء ووضعوا الحواشي والتقريرات عليه وكان أهمها حاشية المير غياث الدّين منصور بن محمد بن إبراهيم الدّشتكي الشّيرازي(ت948هـ).
ويدور البحث في عالم عاش في النّصف الأول من القرن العاشر الهجريّ، ولكن على الرغم من كثرة مصنفاته إلا أنه لم يحظ بترجمة مستقلة وواضحة في كتب التراجم والطّبقات تكشف لنا جوانب من حياته ورحلاته، فلا نكاد نعرف شيئًا عنه إلا النزر القليل، مما جعل شخصية هذا العالم مغمورة غير معروفة عند الكثير من دارسي هذا العلم المعاصرين.
وقد سعت الباحثة إلى تسليط الضّوء على المؤلف، مع التركيز على توضيح منهج كتابه (الحاشية على شرح الكافية للهنديّ)، وهو كتاب تعليمي يبحث باللّغة العربية في علم النّحو العربي، ويضم معه كلمات في العلوم المختلفة كالصرف والبلاغة المنطق والجدل والمناظرة والكلام والتفسير وغيرها، إذ لم تكن اللّغة العربية لغته (الأم)، بل كانت لغته فارسية، وهذا مما لا ريب فيه عكس لنا مدى اهتمام المؤلف باللّغة العربية.