بسم الله الخالق العظيم والصلاة على اشرف الخلق اجمعين الذي بعثه الله هداية للخلق سيدنا ونبينا محمد  صلوات الله عليه وعلى آل بيته وصحبه المقربين وبعد:

القصيدة الحُرّة اصبحت قصيدة مضامين فكرية عديدة وان ثقافة الشاعر اصبحت ثقافة شاملة, تحتاج الى ناقد شمولي كي يسبر اغوار العمل الادبي, الذي يقدمه الشاعر الحداثي وما يشتمل عليه من انزياح وغموض وابعاد دلالية تختلف باختلاف الثقافة والموهبة الشعرية وكل ما ينظم تحت لواء الابداع.

والقارئ لقصيدة التفعيلة يشعر ان اغلب شعراء الحداثة ينطلق من القلق كما يتشح بهاجس الهزيمة على الصعيدين الشخصي والعام مع الامل العميق بنهوض جديد لهذه الامة يصل حاضرها المُتردي بماضيها المشرق باتجاه تأسيس المستقبل المُضيء.

وحين يقف الباحث امام الظروف التي مر بها العراق في الاربعينات من القرن الماضي,يرى كيف كانت ظروفا قاسية في المجالالسياسي والاجتماعي والفكري والاقتصادي, وكانت لهذه الظروف مردودات سلبية على الشعراء في تلكالفترة نعني منذ نهاية الأربعينات حيث كانوا يعانون من قوى التسلط والظلم والرعبالتي كانت تحكم البلاد وقوى الشر التي تحكك العالم وعلى الرغم من أن الشعراءالعراقيين قد عبروا عن تلك الظروف في أغلب قصائدهم إلا أنهم في الوقت نفسه كانوا متفائلين ويحلمون بشمس الحرية والثورة على الطغيان ولعل السياب كان أكثر هؤلاءالشعراء تعبيرا بوساطة الرموز الأسطورية عن الجدب السياسي والفكري الذي يعيشه العراق.

ويبقى الابداع وعيا فرديا وجمعيا يتشكل من خلال المثاقفة الحضارية والفكرية مع مشارب مختلفة، ولا يعني تحديدا ان تكون هذه المشارب هي الماضي، بالرغم من اهمية هذا الماضي ودوره في تشكيل كثير من الاعمال الابداعية الجديدة.والثقافة هي التي تشكل رؤية الشاعر للعالم، هي الروح التي تشيع في التجربةالذاتية، سحر الانتقال من الخاص الى العام، فتضفي عليها الحيويةوالديمومة.

ان ثقافة الشاعر لا يمكن ان تكون نتاج عنصر ثقافي محدد، ولكنهاجماع لخبرات عديدة،وهذا ما سنجده جليا في شعر بلند الحيدري اذ يصور لنا معاناة  الإنسان المعاصر المحطم الإرادة  الضائع القلق في ظل تلك الحضارة الزائفة الرتيبة , فيعبّر عن اغترابه وقلقه الإنساني من الموت والوحدة والعزلة.