لا ريبَ في أَنَّ كُلًّا مِن المُفرَداتِ والتَّراكيبِ شَديدُ الأَهمِّيَّةِ، لكِن لَمّا كانَ الكَلامُ على المُفرَدات وعلى أَغلاطِ العَوامِّ والخَواصِّ فيها قَد راجَ رَواجًا كَبيرًا، وكانَ الحَديثُ في التَّراكيبِ وفي ما يَعْرِضُ لَها في الاستِعمالِ، ولا سِيَّما الأَساليبُ مِنها، أَقَلَّ وأَنزَرَ معَ أَنَّهُ لا يَقِلُّ خَطَرًا ولا أَهمِّيَّةً، بَل قَد يَكونُ أَخطَرَ وأَهَمَّ لِخَفائهِ ودِقَّتِهِ، ارتَأَيْتُ أَن يَكونَ لي إسهامٌ في إيضاحِ ما يَكتَنِفُ استِعمالَ أَحَدِ أَساليبِ العربيَّةِ المُعاصِرَةِ مِن غُموضٍ وتَفكيكِهِ بِحَيْثُ يُمَيِّزُ مُستَعمِلُهُ أَوجُهَ القُوَّةِ مِن أَوجُهِ الضَّعْفِ في استِعمالِهِ، ومَراتِبَ الحُسْنِ مِن مَراتِبِ القُبْحِ في ذلكَ، وهوَ ما أُسَمِّيهِ في بَحْثي هذا (أُسْلوب التَّرغيمِ).
وقَد جاءَ البَحْثُ في مَبحَثَيْنِ، تَسبِقُهُما مُقَدِّمَةٌ وتَعقُبُهُما نَتائجُ البَحثِ وقائمَةُ مَصادِرِهِ ومَراجِعِهِ. أَمّا أَوَّلُ المَبحثَيْنِ فيُعَرَّفُ فيهِ بِـ(التَّرغيم) لُغَةً واصْطِلاحًا، وبِصُوَرِهِ في كَلامِ العَربِ قَديمًا. وأَمّا ثاني المَبحثَيْنِ فتُسَلَّطُ فيهِ الأَضواءُ على الاستِعمالاتِ اللُغَويَّةِ المُعاصِرَةِ لِـ(أُسلوب التَّرغيمِ)، وتُوازَنُ بِما عَرَفَتْهُ العربيَّةُ قَديمًا مِمّا عُرِضَ في المَبْحَثِ الأَوَّلِ.