الملخص
منذ النشأة الاولى للرواية لا سيما الحديثة منها ونحن نجدها الاقرب الى الواقع والبيئة التي تصدر عنها ، لذا لمن يرغب بدراسة التركيبة الاجتماعية والآفات التي تعاني منها المجتمعات كافة فضلا عن مظاهر الحضارة والرقي لتلك المجتمعات من خلال ادب ذلك المجتمع فان الرواية يمكن ان تعد الجنس الاقرب والاكثر التحاما وبحثا في الدقائق وخلفياتها الفكرية والدينية والطبقية ...الخ ، من غيرها من الاجناس الادبية الاخرى . لذا كانت الدراسات السوسيولوجية ميدانا مناسبا للولوج من خلالها الى العالم الروائي واستكشاف تلك الطبقات الاجتماعية بما تضمه من صراعات داخل الطبقة الواحدة او مع سواها فضلا عن النتائج المترتبة على ذلك من سلوكيات ومفاهيم قد يتجذر البعض منها في وعي او لا وعي فئات تلك الطبقة .
ويمكن ان نشير بلا تردد او تحفظ الى ان الرواية العراقية ارتبطت على اختلاف مراحلها واجيالها او جنسانية مؤلفيها ، ارتبطت دائما بالبيئة والواقع الذي صدرت عنه وكأننا دائما مع كل رواية منها امام وثيقة تاريخية واجتماعية ودراسة غير مباشرة للمجتمع العراقي على ألختلاف طبقاته او المراحل الظرفية التي مر بها ، مع محاولة كل منهم اضفاء رؤياه وابداعه وخياله عليها خشية الوقوع بالتقريرية والمباشرة او ان تدرج تلك الروايات ضمن الروايات التاريخية التي تبعدها الى حد ما عن الجمالية الفنية والابداع والتفرد الذي هو دائما الدافع الاساس ،فضلا عن الثيمة والصراع الذي نجد الرواية قد قامت عليه .
واستنادا الى ما سبق فقد آثرت في بحثي دراسة تلك الصراعات الاجتماعية والطبقية والنتائج التي ترتبت عليها من خلال دراسة عدد من الروايات العراقية الحديثة لاسيما تلك الصادرة بعد عام2003 وما افرزته هذه الحقبة من بروز تلك الصراعات على السطح بشكل كبير وواضح من دون تخوف من السلطة او خشية يد الرقيب التي كان لها الدور الكبير في المراحل السابقة في تشذيب وتحديد تلك المباشرة والجرأة في طرح مثل هكذا موضوعات لها علاقة مباشرة او غير مباشرة بتابوات السلطة سواء اكانت سياسية ام اجتماعية ام دينية .
لذا بدأت الدراسة بالوقوف على ماهية المذهب الواقعي وعلاقة الادب عامة والرواية بشكل خاص بهذا المذهب وصولا الى المنهج الاجتماعي وماهية سوسيولوجيا الادب وعلاقة هذا المنهج بالواقعية واستناد النقاد والدارسين الى فرضيات هذا المنهج في نقد النصوص السردية واستخلاص الملامح الاجتماعية والصراعات الطبقية والدوافع الاجتماعية والبيئية التي تقف وراءها ،وهذه المقدمة يمكن ان تشكل الجزء الاول من البحث ، اما الجزء الثاني منه فقد حدد للوقوف على اهم المشاكل والظواهر الاجتماعية ودوافعها المستخلصة من النصوص الروائية التي اتخذت نماذج عملية للدراسة والبحث هنا ،من دون ان ندعي التغطية الكاملة للنتاج العراقي الصادر في هذه المرحلة انما آثرنا اتخاذ نماذج يمكن من خلالها الوقوف على بعض ما وقف عنده الروائي العراقي