السجع من جملة المصطلحات التي روعي فيها جانب الملامح الصوتية في بنية النّص النثري، فهو من المحسنات البديعية التي شاعت في كافة فنون النثر: كالرسائل والوصايا والمقامات، فالسجع ظاهرة إيقاعية لها قيمتها الجمالية وأثرها في النّص. لقد عرف عن العرب الأوائل ببلاغتهم، وعنايتهم بهذا اللون من ألوان البديع عندهم؛ لاسيما خطباء الجاهلية لما له من جرس موسيقي، وقرع للأذهان، وإثارة للانتباه؛ فتطرب له الآذان، ويلذُّ له الأسماع، ويحفظه المتلقي؛ فتحقق بذلك غرض الخطيب في التأثير والإقناع.
تطورت فنون النثر في العصر العباسي، وتوسع الكتاب في استخدام السجع والجناس؛ فأضحت هذا اللون البديعي من التقاليد الثابتة في كتابة الرسائل والخطاب النثري، وتحديدًا الرسائل الديوانية والإخوانية، فتميزت هذه الرسائل بالتأنق اللفظي والتلوين الصوتي فكانت سمة أسلوبية بارزة في أعمالهم، ومع انتشار مجالس الوعظ والدروس الدينية في بغداد، أصبح السجع من أبرز وسائل التعبير وفنون القول لديهم بل من أهم وسائل التأثير على الناس واستمالتهم.
وعليه، جاءت هذه الدراسة في محاولة الكشف عن التشكيل الأسلوبي للعبارات السجعية لدى أشهر وعاظ وعلماء بغداد في القرن السادس الهجري، ووقع الإختيار على كتاب "صيد الخاطر" لابن الجوزي، فقد اشتهر ابن الجوزي ببراعته في السجع الوعظي، ويقول الذهبي: "وأما السجع اللفظي فله فيه ملكة قوية، وإذا ارتجل أبدع" (الذهبي، 1998م، صفحة 4/1347).
وقد اعتمدنا في هذه الدراسة على المنهج الوصفي التّحليلي، مع الاستعانة بالمنهج الإحصائي الذي مدّنا ببعض المعطيات التي قد تساعدنا على تحديد كثافة السجع وصوره، ودوره في التشكيل الأسلوبي للنّص.